لا تزال التوقعات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي إيجابية، حيث تتخذ الحكومات زمام المبادرة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين قدرة المستهلكين وتنفيذ إصلاحات رئيسية لجذب المستثمرين، وذلك على الرغم من الأوقات الصعبة وتباطؤ النمو العالمي. وانتعش النمو في دول مجلس التعاون الخليجي ليصل إلى 2.2 في المئة في عام 2018، كما يتوقع بأن يصل إلى 2.0 في المئة في عام 2019، نتيجة لالتزامها باتفاقية منظمة (أوبك) الأخيرة لخفض الإنتاج، ومن الجدير بالذكر أنَّ استمرار السياسات المالية التوسعية ستساهم في دفع عجلة نمو القطاعات غير النفطية، والتي ارتفعت بشكل بسيط من 2.5 في المئة في عام 2018 إلى 3.2 في المئة خلال العام الجاري بعد انكماش بنسبة 0.4 في المئة في عام 2017، كما ذكرت العديد من المؤسسات الدولية. ومن المحتمل أن تؤثر التوترات التجارية العالمية على معدل النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل غير مباشر، إذ قد تتأثر المنطقة بشكل ثانوي بسبب احتمال انخفاض أسعار النفط الخام العالمية، نتيجة لتباطؤ التجارة والصناعات اللوجستية، والتعريفات الجمركية، إلا أنَّه قد لا تتأثر اقتصادات دول الخليج من صدمات الحرب التجارية العالمية؛ وذلك لمتانة اقتصادات هذه الدول. في عام 2018، قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، مع نيته فرض المزيد من التشدد في السياسة النقدية بحلول نهاية عام 2019. ومع ذلك، فقد أرسل مجلس الاحتياطي الفيدرالي إشارات تفيد بتباطؤ محتمل في وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة بسبب ضعف البيئة الاقتصادية العالمية في عام 2019 بسبب تباطؤ الطلب في الصين وأوروبا، وعدم اليقين في السياسة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتوتر التجاري، وقد يساعد التوقف الحالي في منع الآثار السلبية المحتملة على النمو الاقتصادي بسبب المخاطر من الخارج. لاشك أنَّ الارتفاعات الأخيرة في أسعار الفائدة الأميركية كان لها أثر سلبي على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بسبب سياسة ربط عملاتها بالدولار الأميركي، من خلال تقييد خطط التوسع للحكومات وزيادة تكاليف الاقتراض وإضعاف نمو القطاع الخاص.. ومع ذلك وبالنظر إلى تحول مجلس الاحتياطي الفيدرالي نحو التباطؤ في رفع أسعار الفائدة، فمن المرجح أن تقل تكاليف الاقتراض لفترة أطول هذا العام؛ مما يؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة. لقد تطورت النظم المالية في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى القطاع البنكي، مع وجود مجالٍ خصب لمزيد من التقدم، كما ذكر صندوق النقد الدولي، حيث تشير مؤشرات السلامة المالية إلى أنَّ الأنظمة المصرفية في وضع جيد، وتمتع برسملة قوية وسيولة كافية، وقدرتها لامتصاص الصدمات المحتملة. من المهم الإشارة أيضاً إلى أنَّ أي زيادة أخرى في أسعار الفائدة في 2019، تماشياً مع ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، قد تشدد الظروف المالية وتضع بعض الضغوط على نمو الائتمان، والتي قد تضر في النهاية بالقطاعات غير النفطية، وبشكل عام، لا تزال الأنظمة المصرفية في دول مجلس التعاون الخليجي مستقرة وتظهر تحسنًا في ظروف تشغيلها، كما لا يزال أداء القروض قويًا، مدعومًا بتدفق رأسمالي قوي بسبب الزيادات الأخيرة في أسعار النفط، ومن المتوقع أن ينمو الائتمان بسبب زيادة الإنفاق الحكومي وتوسيع الأنشطة الاقتصادية. وعلى الرغم من أنَّ تبعات القروض المتعثرة في السنوات الأخيرة لا تزال تشكل تحديًا للقطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه من المتوقع أن تظل النسبة المئوية للقروض المتعثرة ثابتة بحلول نهاية العام، كما من المستبعد حدوث أي صدمات كبيرة في النظام المصرفي لدول مجلس التعاون الخليجي. * كبير الاقتصاديين في كي بي إم جي السعودية