قال الباحث عمرو زكريا: إنه لا يعتقد أن يطول أمد الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، مبيناً أن الصين تعلم أنها الخاسر الأكبر لأي تصعيد في هذه الحرب، فالفائض التجاري لصالح الصين في العام 2018 وصل إلى 323 مليار دولار، وما يضعف موقف الصين في المفاوضات أن الصين في أمس الحاجة إلى السوق الأميركي في الوقت الحالي لأن اقتصادها بدأ أخيراً يفقد الكثير من الميزات التنافسية التي جعلت الاستيراد من الصين مربح تجارياً. وأوضح زكريا أن اقتصاد أميركا صلب جداً، وبرغم عدم فهم الكثيرين لشخصية ترمب فإن معظم سياساته حتى الآن تصب في مصلحة الاقتصاد الأميركي. وبين زكريا أن المملكة تمثل اقتصادا في غاية الأهمية، ورقما مهما لا يمكن تجاوزه بالنسبة للشركات الضخمة المتعددة الجنسيات، وإذا قيمنا الاقتصاد العالمي خلال العشر سنوات الأخيرة أي ما بعد الأزمة المالية العالمية سنجد أن الحالة العامة تتسم بضعف في نمو الاقتصاد العالمي وأيضاً ضعف في العوائد على المدخرات والاحتياطيات، نسبةً لتدني العوائد على الاستثمارات في الأصول ذات العائد الثابت. "الرياض" كان لها هذا الحوار مع الباحث عمرو زكريا، فإلى نص الحوار: * الحرب التجارية بين أميركا والصين تقود العالم إلى تحديات اقتصادية غير مسبوقة.. هل يتعرض الاقتصاد العالمي لنكسة في 2019؟ * لا أعتقد أن الحرب التجارية سيطول أمدها، والسبب الرئيس هو أن الصين تعلم أنها الخاسر الأكبر لأي تصعيد في الحرب التجارية، فالفائض التجاري لصالح الصين في العام 2018 وصل إلى 323 مليار دولار، وما يضعف موقف الصين في المفاوضات أن الصين في أمس الحاجة إلى السوق الأميركي في الوقت الحالي لأن الاقتصاد الصيني بدأ أخيراً يفقد الكثير من الميزات التنافسية التي جعلت الاستيراد من الصين مربحاً تجارياً، وهذه أهم ثلاثة أسباب لفقدان الصين بعض التنافسية التجارية: زيادة أجور العاملين مما زاد من تكلفة التصنيع، بدء انكماش شريحة اليد العاملة المتمثلة في من هم أعمارهم بين 25 و40 وهذا تحدٍ ديموغرافي صعب تغييره، دخول بلاد أخرى كبديل للصين كمركز صناعي رخيص مثل فيتنام، الفلبين، وإندونيسيا. إحدى المؤشرات على استعداد الصين لتقديم تنازلات، كان نشر تصريحات على لسان بعض المسؤولين ذوي علاقة بملف المفاوضات بأن الصين على استعداد لخفض الفائض التجاري إلى الصفر بحلول العام 2024 بشراء المزيد من الخدمات والمنتجات الأميركية، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن هناك دولاً ستتضرر كثيراً مثل البرازيل التي تعتبر المورد الثاني لفول الصويا للصين. حجم إنتاج المملكة لا يزال العامل الأهم في أسعار النفط العالمية * إلى أين تقود سياسات ترمب اقتصاد أميركا والعالم؟ * اقتصاد أميركا صلب جداً، وبرغم عدم فهم الكثيرين لشخصية ترمب، فإن معظم سياساته حتى الآن تصب في مصلحة الاقتصاد الأميركي، على سبيل المثال لا الحصر، الإصلاحات الضريبية التي تقدم بها الرئيس ترمب وأقرها الكونغرس سمحت للشركات بإعادة مئات المليارات من الدولارات إلى أميركا حيث كانت تحتفظ بها في مصارف خارج الولاياتالمتحدة. استخدمت الشركات هذه الأموال في شراء أسهمها في البورصة مما رفع ثراء الكثير من المواطنين في أميركا، إضافة إلى ذلك استثمرت الشركات في توسعة أعمالها وخطوط إنتاجها في الولاياتالمتحدة مما ساعد على الإبقاء على نسبة البطالة في أدنى مستوى منذ 49 عاما، اليوم في الولاياتالمتحدة هناك سبعة ملايين وظيفة شاغرة، وذلك من أعلى الأرقام تاريخياً، إضافة إلى ذلك تخفيف إدارة ترمب القيود على التنقيب وإنتاج النفط والغاز مما يساعد الولاياتالمتحدة على إضافة عجلة دفع جديدة ومهمة لاقتصادها. * إلى أي حد يتأثر أو لا يتأثر اقتصاد الدول العربية بالاقتصاد العالمي؟ * إذا تحدثنا عن دول الخليج، سنجد أن أكبر عوامل التأثير تأتي من ارتباط العملة بالدولار وبالتالي الارتباط يأتي من السياسات النقدية، وبالتالي كلما رفع الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة تجد البنوك المركزية نفسها مضطرة لرفع سعر الفائدة أيضاً لمنع حدوث فرق في سعر الفائدتين مما يمكن أن ينتج عنه مخرجات مالية إلى المكان ذي العائد الأعلى. أهمية رفع سعر الفائدة أنها تؤثر على حركة العقار وحجم القروض وحركة الأعمال بشكل عام، الجيد في الموضوع أن البنك الفيدرالي الأميركي قد قرر أخيراً التريث في رفع سعر الفائدة في 2019 وذلك يدعو للارتياح من الوضع الاقتصادي. الجانب الآخر لتأثر دول الخليج بحركة الاقتصاد العالمي هو تأثير مجريات الاقتصاد العالمي في حجم الطلب على النفط الذي يشكل الدخل الرئيس لكثير من دول الخليج العربي. بقية الدول العربية تتأثر من ناحية تحويلات المغتربين العاملين في دول الخليج والعالم، كما تتأثر بخفض الطلب على السلع بشكل عام. * ما نتائج تعزيز العمل الاقتصادي بين السعودية وباكستان والاستثمار السعودي بمنطقة "جوادر" الباكستانية وغيرها من المشروعات الاستراتيجية؟ * العلاقة بين بالمملكة العربية السعودية وباكستان تتميز بخصوصية وتعود إلى عقود طويلة، في المملكة يعمل حوالي مليون مواطن باكستاني بحسب صحيفة الفاينانشال تايمز، زيارة ولي العهد لباكستان تحمل في جزء كبير منها طابعا اقتصاديا، إحدى أهم المشروعات المقترحة هو إنشاء مصفاة للنفط في ميناء جوادر بقيمة ثمانية مليارات دولار، وهو استثمار استراتيجي يعني تغطية الطلب المحلي من المحروقات وتصدير الفائض إقليمياً. وتأتي أهمية ميناء "جوادر" من استراتيجية موقعه حيث يربط ثلاثة أقاليم جغرافية؛ الشرق الأوسط، آسيا الوسطى، وجنوب آسيا، ويساعد المشروع في تطوير إقليم بلوشستان من جانب باكستان، كما يعتبر الميناء مركز اهتمام كبير بالنسبة للصين حيث يعطيها منفذاً إلى دول آسيا الوسطى، كما يؤمن في تطوير أقليم بلوشستان المحاذي لإيران، الذي طالما كان يعاني من قلة الاستثمارات الحيوية. كذلك للميناء أهمية للصين حيث يعطي الصين منفذا لدول آسيا الوسطى، كما يؤمن للصين منفذا بديلا للمحيط الهندي وبحر العرب في حال أغلقت الهند مضيق ملكا إثر التوتر بينها وبين باكستان. القطاعات الأخرى التي ستشملها حزمة الاستثمارات السعودية في الباكستان منها قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة والتعدين والزراعة، وهنا لا بد من الإشارة لأهمية الجانب الجيوسياسي أيضاً لهذه الاستثمارات التي تأتي في وقت يواجه فيه البلدان تحديا مشتركا وهو محاولات إيران زعزعة الأمن في البلدين. هذه الاستثمارات تعزز من العلاقة الجيوسياسية المستمرة بين المملكة وباكستان، منذ ستينات القرن الماضي حيث بدأ التعاون الاستراتيجي والدفاعي بين البلدين. * كيف يترك فتح القطاع السياحي في السعودية أثره على سوق العمل في السعودية والاقتصاد؟ * السياحة كصناعة تمثل 10.4 % من الناتج القومي العالمي وتوظف 313 مليون نسمة، السياحة هي أحد أهم الروافد الاقتصادية لكثير من البلدان خاصة أن العائد الثانوي كبير، ففي العام 2017 كانت مساهمة قطاع السياحة والسفر للناتج القومي العالمي 2.57 تريليون دولار وبشكل إجمالي وصل إلى 8.27 تريليون بحسب تقرير المجلس العالمي للسياحة والسفر لسنة 2018، بمعنى أن السائح عندما يأتي يشغل الكثير من المرافق ويستهلك الكثير من المنتجات وكذلك الخدمات من مطاعم ومواصلات وقطاعات ترفيه..الخ. المملكة لديها كل المقومات لبناء صناعة سياحية متقدمة وفريدة حيث لديها تنوع جغرافي كبير، كما لديها إمكانات السياحة الدينية التي لا يستطيع على منافستها أحد. * كيف ترى الاستثمار الأجنبي في السعودية؟ * المملكة تمثل اقتصادا في غاية الأهمية ورقما مهما لا يمكن تجاوزه بالنسبة للشركات الضخمة المتعددة الجنسيات، إذا قيمنا الاقتصاد العالمي خلال العشر سنوات الأخيرة أي ما بعد الأزمة المالية العالمية سنجد أن الحالة العامة تتسم بضعف في نمو الاقتصاد العالمي وأيضاً ضعف في العوائد على المدخرات والاحتياطيات، نسبةً لتدني العوائد على الاستثمارات في الأصول ذات العائد الثابت. إذا أخذنا مثلا بعض السندات الحكومية السويسرية والألمانية سنجد أن العائد عليها ليس فقط متدنىا ولكن سلبيا، لذلك تبحث رؤوس الأموال عن فرص استثمارية في اقتصادات لديها القدرة على توفير عائد استثماري جيد، هنا تستفيد السعودية من هذا الوضع العالمي، لأنها تقدم خياراً استثمارياً جيداً، ومن أهم مقوماته أنه أكبر مصدر للنفط ولديها ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، سوق محلي كبير وقدرة شرائية ضخمة متمثلة في دخل الفرد المقدر ب19.85 دولارا، السعودية تمثل 60 % من استهلاك دول مجلس التعاون الخليجي، استراتيجية للاستثمار طويل المدى "رؤية 2030" واضحة المعالم في قطاعات مختلفة تشمل صناعات حيوية واستراتيجية منها قطاع التعدين والبتروكيميائيات، الكهرباء والطاقة المتجددة، التصنيع المدني والعسكري، قطاع تكنولوجيا المعلومات، الرعاية الصحية، السياحة والترفيه، كل هذه القطاعات تمثل فرصة ذهبية للشركات العالمية، نظام بنكي متطور وأسواق مالية عالمية، خاصة بعد دخول أسواق الأسهم السعودية في مؤشر "أم أس سي أي" للأسواق الناشئة، وأخيراً وليس آخراً ديموغرافية المملكة الشابة تشير إلى نمو مستقبلي مستدام حيث تخطى تعداد السكان 33 مليون نسمة نصفهم أقل من 25 عاما، بنمو 2.5 % سنوياً. وعدم تدفق الاستثمارات الأجنبية لوقت مرحلي لاعتبارات جيوسياسية اقتصادية إقليمية وعالمية، لا ينفي واقع الأرقام والمؤشرات إلى أن الاستثمار في المملكة هو من أفضل الخيارات في الظروف الاقتصادية العالمية الحالية، ومن خلال حديثي شخصياً مع عدد من المديرين التنفيذيين لشركات عالمية، نلاحظ إجماعهم على أن وضع السوق السعودي وقابليته لجذب الاستثمار الخارجي هو حجر أساس لمستقبل شركاتهم في الخارج. وأسرد هنا بعض الأرقام الصادرة عن موقع "استثمر في السعودية"، لتوضيح معنى ما أتحدث عنه "من المتوقع أن يكون هناك فرص للاستثمار في قطاع المياه بقيمة 50 مليار دولار بحلول العام 2020، و90 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة في قطاع الكهرباء، و17 محطة تحلية، واستثمارات في القطاع الصحي بقيمة 130 مليارا بين عامي 2017 و2021، وهذه أرقام لا يوجد مثيل لها كفرص استثمارية في دول كثيرة في العالم، ومن المتوقع أن تكون من أولويات المستثمرين الأجانب". *السعودية في موقع جيوسياسي يجعلها تملك علاقة تاريخية مع أميركا ومصالح غاز ونفط وروابط أخرى مع روسيا.. كيف يؤثر هذا على اقتصادها في ظل التغيير الحالي في شكل الاقتصاد؟ * المنطقة العربية هي المكان الذي تتقاطع فيها الأجندات الدولية بشكل كبير وهي المنطقة التي تنتج الكثير من المخاطر والفرص كذلك للعالم في كل الأصعدة جيوسياسياً كان أم اقتصادياً، المملكة من دون شك تعتبر عمود خيمة العالم العربي وهذه حقيقة وواقع شاء من شاء وأبى من أبى، ولذلك نجد أن الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية الدولية المهمة تمر عبر الرياض لما للمملكة من ثقل سياسي واقتصادي عالمياً. * السعودية و"أوبك" تخفض من إنتاجها النفطي ابتداءً من مارس.. إلى أي مدى "أوبك" قادرة على التحكم بأسعار السوق والآن نحن أمام تحديات في فنزويلا؟ * بحسب وكالة معلومات الطاقة فإن إنتاج "أوبك" يشكل 40 % من إجمالي النفط عالمياً وصادرات أعضاء المنظمة تمثل 60 % من إجمالي النفط المتداول في الأسواق العالمية، وبالرغم من انخفاض نسبة "أوبك" من إجمالي الإنتاج العالمي للنفط، إلا أن "أوبك" ما زالت عامل التأثير الأكبر على أسعار النفط عن طريق زيادة أو خفض الإنتاج، والسعودية بالتحديد تمثل العامل الأهم في معادلة المعروض من النفط وذلك يتجسد في الرسم البياني الصادر من وكالة معلومات الطاقة ووكالة رويترز، حيث يظهر جلياً العلاقة العكسية بين سعر النفط وحجم إنتاج المملكة.