يتردد بين الفينة والأخرى في أوساط الناس بمختلف مستوياتهم الاجتماعية وفيئاتهم العمرية وفي مناطق مختلفة من حيث الجغرافيا والعادات والتقاليد وما إلى ذلك من أوجه الاختلاف أو حتى الشبه.. تتردد عبارات تختلف في لغويتها وتتفق في معناها كقول الكثير: «الزمان تغير» أو «الوقت اختلف»، وهذه من العبارات الشائعة بشكل عام يستدل بها على أي حدث جديد لم تعهده الناس فيما مضى أو أنه أتى بطريقة لا تشبه الأمس البعيد وهكذا، وهناك كلمات مشابهة من حيث مضمونها، ولكنها تختص بمناسبة بحد ذاتها كالعيد مثلاً، فهناك من يردد «ما هو مثل أول» أو «العيد ما له طعم» أو «هل هناك عيد؟»، وغالباً يجنح كل من يردد هذا الكلام وقد نكون جميعنا ذلك الشخص، إلى الماضي ويتكئون على التاريخ ويهيمون عشقاً بالذكريات الخالدة في مخيلاتهم عن أعياد الصباء.. وهذه الحالة من الفراغ العاطفي لكل ما هو جميل ليست مجرد اشتياق لمرحلة من العمر وإن كانت جميلة فقط.. بل هي ضيق بالحاضر وتوجس من المستقبل، وغالباً هي أوهام صنعتها المظهرية التي طغت بعد عصر الطفرة المادية، لينساق خلفها الناس وكأنها «الحياة» كما يجب أن تعاش، لك أن تتخيل أن الماديات واللهث وراء الثراء يحاصران البهجة ويؤطران الفرح ويستنزفان الجمال ويأخذاننا إلى متاهات العزلة والاغتراب، ونحن نكاد نختنق في الشوارع والأسواق والطرقات والمقاهي بكثرة الناس، الناس الذين حولهم هذا المعترك إلى جمادات كما هي السيارات والأبنية والسلع، ولكنها النفس متى أطلق لها العنان، فلو حيزت لها أموال الدنيا ما كفتها، وإن كانت لا تحتاج لتحيا، أكثر من رغيف خبز واحد يومياً، يسد الرمق ويقيم الصلب!! لعل هذه المظهريات الزائفة هي من وترت العلاقة بين الإنسان والزمان وبين الإنسان والمكان، فلا تكاد تجد الراضي القنوع بما أعطاه الله، ولا الممتن لله بما هو فيه من خير وإن كان يسيراً مقارنة بغيره. الوجل المترتب والخلل المترسب في بواطن العقول هما اللذان قادا المجتمع إلى حالة تشاؤمية أفسدت حاضره وأقلقته على مستقبله ليرمي كل هذه الاتهامات على الزمان وعلى المكان، وكأنه الحمل الوديع في ما أودى بحياته إلى القلق والتوتر وضيق ذات النفس. لم يدون لنا التاريخ أن حقبة زمنية، من العصور البائدة وحتى يومنا هذا، كانت على قدر من التشابه في شيء، وخصوصاً في الثروة والمال اللذين هما مثار هذا الحيز من الرأي، فهناك الغني وهناك الميسور وهناك الفقير، وقد تجد الغني الجاهل والفقير العالم، وهذه سنة الحياة، ومع ذلك من قدر له أن يعلو شأنه، فلن تضيرة فوارق المال والجاه التي ألقت بظلالها على حياة الناس ليتنافسوا عليها ويذروا ما عداها وإن كان أكثر فضلاً وأهمية. ولن يأخذ أحد منا شيئاً لم يكتبه الله له، ولن يفقد شيئاً منحه الله إياه، فلو عملنا بهذا لعادت أفراحنا وأعيادنا كما كانت، ولكنا كما كان من قبلنا في رضاء ونعيم.