بعد عمر حافل بالجد والعمل والنشاط توفي الصديق العزيز الشيخ محمد بن سعد الحيان -رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته. زاملته في السنوات الأولى من التعليم في بلدة الحريق كان طالباً نجيبًا مجدًا مكافحًا، يدرس نهارًا، ويعمل ليلاً لمساعدة والده لمواجهة ظروف الحياة الصعبة. وبعد إكمال السنة الأولى متوسطة انتقل إلى الرياض، وهناك وجد بغيته فالفرص متعددة والمجالات واسعة ورحبة، والتحق بالمعهد العلمي، وفي أثناء دراسته بالمعهد قاده طموحه الوقاد إلى الالتحاق بالمدارس الليلية -نظام ثلاث سنوات في سنة واحدة- فنال شهادة الكفاءة المتوسطة بتفوق، ثم شهادة الثانوية العامة بذات النظام وبتفوق أيضاً. وبعد تخرجه من المعهد العلمي التحق بجامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية كلية الشريعة وواصل دراسته فيها إلى أن نال شهادة البكالوريوس، وفي أثناء دراسته الجامعية بحث عن عمل إضافي يدر عليه دخلًا، ففتح بقالة صغيرة بجوار سكنه بحي السبالة بالرياض يعمل فيها بنفسه وقت الفراغ من الدراسة، وبعد فترة غيّر هذا النشاط وفتح منجرة يعمل فيها بيده حتى نال شهادة البكالوريس في كلية الشريعة بالرياض ومن ثم عاد إلى الحريق مدرساً للعلوم الشرعية ثم مديراً لمتوسطة وثانوية الحريق إلى أن طلب الإحالة على التقاعد المبكر. ومن صفاته رحمه الله أنه كان زاهداً متواضعاً مبتعداً عن بريق السمعة والظهور، ذو شخصية هادئة مسالمة. وقد صدر عنه رحمه الله مؤلفان في آخر حياته وهما كتاب «ثروة لغوية» في موضوع لهجتنا العربية الفصيحة وديوان شعر تحت عنوان «مشاعر وأحاسيس» يحتوي على جملة من القصائد والأناشيد التي قيلت في أزمان ومناسبات متفرقة، فهو شاعر وأديب ملهم وضليع في علوم اللغة العربية وآدابها، بالإضافة إلى ذلك كان له مساهمات وجهود كبيرة في الوعظ والإرشاد ودروس ومحاضرات أسبوعية. كان -رحمه الله- من هواة الصحراء حيث يجد فيها الراحة والمتعة فكان يقضي جل فراغه بين رمالها وكثبانها باحثاً عن الصيد وراحة البال بعيداً عن المدينة وصخبها. إن في سيرته رحمه الله في شبابه ما يوحي بالجد والكفاح والمثابرة مما فيه عبرة لجيل اليوم. اللهم أغفر لفضيلة الشيخ محمد بن سعد الحيان الرجل المكافح وارحمه وجازه على ما قدم من أاعمال خير الجزاء وافسح له في قبره وادخله جنات النعيم واصلح ذريته وبارك فيهم إنك حميد مجيد (إنا لله وإنا اليه راجعون).