أبكت تلكم الحمامة أم غنت * على فرع غصنها الميّاد بيت من مرثية طويلة لأبي العلاء المعري، ما يميّزه هو صوت الحمام الذي لا نفهم نحن البشر ما إذا كان غناءً أم بكاءً، وما يحدده حالتنا النفسية فقد نجدها تغني في الوقت الذي نكون فيه سعداء، والعكس لو ما إذا كنا نتألم، فإننا نعتقد إنها تبكي كما نبكي، المعري تساوت لديه الحالتان، وقراءة بيت كهذا يتطلب لحظة ألم حتى تستطيع أن تصل لإحساس الشاعر أثناء صياغته، لكن ماذا لو تركنا الحمامة وشأنها الخاص، وتأملنا لوحة إنسانية رائعة ؟!، لوحة رسمها صديق الحمام دون ألوان وريشة، هو فقط خصص مكانًا في فناء منزله لتقتات به الطيور، تحلِّق بإجنحتها قادمةً له، وهو يحلِّق بقلبه الذي قاده لإطعامها، وكأنه يقول كي تطير لا تحتاج لأجنحة يكفيك أن تكون إنسانا، تتأمل الحمام في الفضاء من دون أن تحبسه في قفصٍ داخل منزلك، تضع له الطعام وتترك له الخيار في أن يأتي أو أن يبحث عن قوته في مكان آخر، تسمعه وتطرب لما يقول ولا تجبره أن ينقاد لمشاعر الحزن أو الفرح في داخلك، بدأ برسم اللوحة ببقايا أطعمة وضعها لحمامة واحدة لتصبح مع الأيام أسراباً تنادي كل واحدةٍ صديقتها، هناك من يدعونا على مائدة خاصة بنا، يريدنا كما نحن، تقول لبعضها هو ليس مثلهم، يقتنون الحيوانات بحجة الرحمة ليجبروها أن تعيش حياة لا تشبهها، ومع الأيام أصبحت تزوره ليس من أجل الطعام بل ترسل له حديثاً يجعله يحلِّق كما تحلِّق لكن كل منهم كما خلقه الله.