إن الحزن لفراق قريب أو عزيز ليس بالأمر الهين، فهو لهيب يتقد في الصدور، وشعور بحسرة وألم لا يتلاشى أثره على مر السنين، وللحزن آثار. والأحزان مستقرها الأنفس والأرواح والقلوب، فإذا تمكنت الأحزان من أرواح المخلوقات وأنفسها دمرت أجسامها، وكبلت عقولها، وشلت حركتها، وللحزن آثار. فهي تراكمات مؤلمة تتدفق سيولها أشباحا في الأنفس والأرواح. وللأحزان في الأنفس طيف أسود وظلمات بعضها فوق بعض، وللحزن آثار. وكلما تعمق الحزن في الروح سيطر على منافذ السعادة وأغلقها، وفتح منفذا للكآبة وأطلقها، كما أن الحزن ينهك الأنفس ويضيق آفاقها ويعطل نشاطها، وللحزن آثار. تتجاذب الأفكار والمشاعر وتتنوع مصادر أحاسيس الحزن عند وقوع الكارثة، وقد لا يكون مصدر الحزن فقط فقدا لعزيز أو قريب، مع أن ذلك نواة الحزن ومستقره، وهو سبب شعور الحزن ومصدره، ولكن يكبر الحزن ويتنامى ويتعمق في الروح عند رؤية أبناء الفقيد يتامى حائرين، وهم لا يعلمون أنهم أصبحوا يتامى، وللحزن آثار، فالطفل محمد يتوسل لمن يراه أن يتصل على أبيه ليعود، وهو لا يعلم أنه لن يعود، وأما أم محمد فقد وطأت جمرة المصيبة فانصدمت من شدة الحزن وألم الفراق بعد رحيل زوجها ورفيق عمرها المخلص. وأما أم بدر فقد أُنهك جسمها وخارت قواها لفقد أخيها وسندها. فنسأل الله أن يربط على قلبيهما. نعم، لقد فقدنا أخانا أبا محمد، وقد فقده أحبابه وأصحابه ومعارفه وأقاربه، وقد فقده ميدان الصحة والطب والتمريض، فقده عديد ممن خدمهم وسهل أمورهم؛ فبكوه بكل حرارة وحزن. فقدنا الروح الطيبة والنفس الخفيفة والأدب الجم والأخلاق العالية. فقدنا من تبوأ مقام الأخ بتحمله مسؤوليات الحياة وصبره ونفعه لإخوانه ورجاحة عقله ومقام الابن بخدمته واحترامه وبره بأمه وتواضعه الجم. إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا حسين لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. وعزاؤنا في أبي محمد أنه مشهود له بالخير والنفع للغير، نسأل الله أن يجعل الفردوس الأعلى من الجنة مثواه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.