شخصية تُعد من أوائل الشخصيات التي تعلمت ونبغت مبكراً، ليس تعلماً نظرياً، بل هو تعليم تخصصي نادر في ذاك العصر، وهذا التخصص هو الهندسة الميكانيكية، هو المهندس والوزير عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم الفوزان - رحمه الله -. ولد عبدالعزيز الفوزان العام 1305ه بدولة الكويت، وقدم والده الشيخ محمد الفوزان إلى الكويت في عهد حاكمها الشيخ محمد بن صباح بن جابر الصباح. والشيخ محمد الفوزان هو من مواليد ثادق ومن أسرة آل سويلم الذين هم أمراء ثادق في عهد الدولة السعودية الأولى والثانية وشطر من الدولة السعودية الثالثة. وكان الشيخ محمد الفوزان - رحمه الله - من طلبة العلم المدركين في الفقه الحنبلي وممن قرأ واستفاد من مدرسة آل الشيخ بالرياض، وطابت له السُكنى في الكويت وتعين قاضياً، فهو على المذهب الحنبلي وإماماً للجامع الكبير، ومما يستدرك على من كتب عن علماء نجد أنهم لم يذكروه في تراجمهم وحتى صاحب كتاب "علماء الكويت" فاته أن يورده في معجمه مع أنه قاضٍ شهير في الكويت. يقول المؤرخ الباحث إبراهيم آل الشيخ: إن الشيخ محمد الفوزان كان يصدع بكلمة الحق في خطبة الجمعة - في حديثه لي فيما معناه -، ويقول عنه الباحث عبدالمحسن السويلم: كان له حضور واحترام عند أسرة الصباح حكام الكويت لما عرف عنه من الصدق والنضج والحكمة.معرفة قديمة ويروى الباحث عبدالمحسن السويلم قائلاً: إنه عندما استقر الإمام عبدالرحمن الفيصل في الكويت عام 1308ه هو وأسرته، كان الشيخ محمد الفوزان من أوائل من ناصره وأيده، لهذا فالشيخ محمد الفوزان كان قريباً ومقرباً من الإمام عبدالرحمن الفيصل وأبنائه الملك عبدالعزيز والأمير محمد بن عبدالرحمن والأمير سعد، فهم يعرفون هذا الشيخ حق المعرفة من ذلك التاريخ 1308ه وحتى وفاة الشيخ محمد الفوزان، ولعلها كانت في الكويت، ومن المؤكد أن ابنه عبدالعزيز الفوزان قد رأى وشاهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، حيث كان عمر الوجيه عبدالعزيز الفوزان حينما استولى الملك عبدالعزيز على الرياض أربعة عشر عاماً، وهي سن إدراك، بل هي في ذاك الزمن سن مبلغ الرجال، لذلك كانت معرفة قديمة وعميقة مع الأسرة المالكة، ومن وفاء الشيخ محمد الفوزان للأسرة المالكة أنه بعدما استرد الملك عبدالعزيز الرياض تواصل مع الإمام عبدالرحمن الفيصل وابنه الملك عبدالعزيز بتكرار الزيارات، حتى توفي رحمه الله. ونشأ المهندس عبدالعزيز الفوزان في دولة الكويت، حيث ولد وتعلم فيها وتربى في بيت علم، فوالده من طلبة العلم الكبار في الكويت، وكانت له نفس طموحه، فلم يكتفِ بمجرد القراءة والكتابة، بل سافر إلى العراق وانضم دارساً ومتعلماً بشركة توماس كوك لدراسة الهندسة الميكانيكية والتدريب، واستمر في العراق مدة من الزمن حيث توظف في هذه الشركة، ثم إن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- طلبه ليكون موظفاً لديه. حيوية ونشاط وعندما قدم الوجيه والمهندس عبدالعزيز الفوزان إلى المملكة كان لا يزال شاباً مفعماً بالحيوية والنشاط والحب لتخصصه مع الاتقان والجودة فيما يوكل عليه، ولعل مجيئه إلى المملكة أواسط الأربعينات الهجري من القرن المنصرم الهجري وظل يعمل بجد واجتهاد بل بإخلاص وصدق وأمانة، حتى أصبح من المميزين والمشهورين بالتفاني في أداء العمل الجيد عند الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، يقول الأستاذ الباحث عبدالمحسن السويلم في نبذته عن عبدالعزيز الفوزان: زادت ثقة الملك عبدالعزيز فيه وجعله من خاصته، وأعجب به لقوة شخصيته وحسن قيادته وتدبيره، -انتهى كلام عبدالمحسن-، هذه من أهم سمات وصفات القيادة، قوة الشخصية وحسن التدبير والتصرف الحكيم في مواجهة أي مشكلة أو عائق في العمل، وقد توفرت في القيادي المهندس والإداري عبدالعزيز الفوزان، حيث تعلم الإدارة والقيادة من خلال الممارسة في عمله، ولا شك أنه تمتع بذكاء أهله لأن يتعلم ويكون متفوقاً في عمله هذا، والدليل على كلامي ما قاله المؤرخ فؤاد شاكر في كتابه دليل المملكة العربية السعودية قائلاً: وكان يتغلب على كثير من أعمال الدولة ولا أقول وظائفها؛ لأنه رجل عمل أكثر منه رجل وظيفة، فهذه شهادة من المؤرخ فؤاد شاكر الذي شاهد ورأى القيادي عبدالعزيز الفوزان وكتب هذه الشهادة، وفؤاد شاكر -رحمه الله- كان رئيس التشريفات الملكية (المراسم الملكية)، وعمل بقرب القيادي عبدالعزيز الفوزان فكلامها يتواصلان مع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- لأجل العمل وأخذ التوجيهات. مستشار الملك ومن الوظائف التي عُيِّن فيها القيادي عبدالعزيز الفوزان هي إدارة الكراجات الملكية، وفي هذه المرحلة تولى التموين والإمداد لما كانت حرب اليمن عام 1352-1353ه، فكان مسؤولاً عن هذه المهمة الكبيرة وهي إمداد الجيوش المتجهة إلى الجنوب، وهي مهمة لا يُختار لها إلاّ من كان على قدر المسؤولية، ثم تولى بعد ذلك إدارة البرقيات بمدينة الرياض، وكانت الثقة الملكية بالقيادي عبدالعزيز الفوزان تكبر وتزداد نظراً لأنه أثبت كفاءته في كل وظيفة يعين فيها؛ ولأنه كما قال زميله المؤرخ فؤاد شاكر أن الفوزان ليس رجل وظيفة بل رجل عمل، والمراد أنه يعطي العمل كل ما يملك من طاقة وجهد وليس المقصود فقط أداء الواجب الوظيفي، وهذه من شمائل المخلصين والناجحين في أعمالهم، وكانت نتيجة هذا التفاني والأمانة في العمل بأن عُيِّن ضمن أحد مستشاري الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، وفي عام 1369ه صدر مرسوم ملكي بأن يكون عبدالعزيز الفوزان بمرتبة وزير، هذا ما ذكره الباحث عبدالمحسن السويلم في نبذته عن القيادي عبدالعزيز الفوزان. جانب خيري وكانت رحلة عبدالعزيز الفوزان الأخيرة في الوظيفة هو وزير مفوض بمصر في القاهرة، حيث استقر هو وأسرته في القاهرة، الجدير بالذكر أن عبدالعزيز الفوزان قد كُلِّف بتأسيس أول مبنى صحي بمدينة الرياض قبل تأسيس مستشفى الملك سعود -الشميسي-، ويقع هذا المبنى الصحي جنوب أمانة الرياض سابقاً، وقد خدم هذا المبنى الصحي أهالي الرياض حقبة من الزمن وظل يستقبل المرضى والمراجعين، وتكليف القيادي الفوزان بالإشراف على بناء هذا المبنى الصحي بمدينة الرياض قد لا يعرفه الكثيرون من الناس، وعبدالعزيز الفوزان -رحمه الله- كما هو الظاهر من سيرته أنه عمل بصمت وهدوء، وبالأخص فيما يتعلق في الجانب الخيري والتطوعي والإحسان، ومن إحسانه وحبه للتعليم ومحاربة الجهل والأمية أنه أوقف لوجه الله تعالى مدرسة بمكة لتعليم الناس عموماً وجيل الشباب والصبية من الفقراء، وهذا المبنى لمدرسة الفلاح، وهذه لاشك صدقة جارية استمرت مدداً وعقوداً من الزمن، وهذه المدرسة قائمة تؤدي رسالتها في مكة، وحتى بعد وفاة المحسن الكريم عبدالعزيز الفوزان، وهذه الأعمال الخيرية هي التي تبقى وتخلِّد اسم صاحبها في سجلات المحسنين، وأعظم من هذا كله أن هذا العمل أو الأعمال تجري حسناتها وأجورها وثوابها وصاحبها تحت الثرى مادامت هذه الصدقات جارية ويدخل فيها الوقف الخيري، وحسناً فعل المحسن والجواد بأن أوقف هذه المدرسة، وليت رجال الأعمال يجعلون أوقافهم فيما ينفع المجتمع ويثمر، فالوقف مجال أرحب، فليس مقصوراً على بناء المساجد بل الوقف والصدقات الجارية تشمل إنشاء المدارس والمستشفيات وبناء الإسكان الخيري، ولو فُعِّل الوقف الخيري بأنواعه لسد حاجات كثير من الناس، وهذا الوقف الخيري لأجل هذه المدرسة من القيادي عبدالعزيز الفوزان بُعد نظر بعيد وطويل المدى، وهذا يدل على عقليته الواسعة. صدق وإخلاص وبعد هذا المشوار الطويل للقيادي والوزير المفوض عبدالعزيز الفوزان فاضت روحه رحمه الله بتاريخ 15 رمضان عام 1370ه -1951م- بالقاهرة، بعدما أمضى أصفى أيام حياته كلها متنقلاً ومتدرجاً في الوظائف الحكومية، وأعقب حياة ثانية وهي الخالدة الذكر الطيب والسمعة الحسنة، فكل الوظائف التي أوكلت إليه قام بها بأمانة وعفاف وصدق وإخلاص ونزاهة، وكان مدرسة في القيادة والإدارة وقد أعقب أولاداً وذرية وهم على مستوى عالٍ من التعليم، فالأستاذ فوزان وهو من أوائل المتخرجين في أول بعثة للتلفزيون السعودي لأميركا وقد أشرف على إنشاء محطة للتلفزيون بالرياض ثم كان مديراً لمحطة الرياض، وأمّا الأستاذ خالد فقد تخرج من كلية ادنبره بلندن ومن جامعة وسانتوس بكاليفورنيا، وكان أول مذيع للأخبار باللغة الإنجليزية في الإذاعة ويجيد خمس لغات، وقد عمل مترجم للملك خالد -رحمه الله-، أما محمد فهو من أوائل المذيعين بالتلفزيون السعودي باللغة الإنجليزية وكلهم قد توفوا -رحمهم الله-. وفي الختام أشكر الباحث الأستاذ عبدالمحسن السويلم على تزويدي بسيرة الوزير المفوض عبدالعزيز الفوزان والشكر موصول كذلك للأستاذ المؤرخ إبراهيم آل الشيخ الذي كان السبب في كتابتي لهذه السيرة، ونحن دائماً نستفيد من علمه وفوائده واطلاع الواسع. الأمير منصور بن عبدالعزيز –وزير الدفاع آنذاك- ويظهر الفوزان وسط الصورة محمد عبدالعزيز الفوزان مع رئيس لبنان حسين عويني عام 1969م عبدالعزيز الفوزان تولى الفوزان إدارة الكراجات الملكية رسالة ودية من الملك عبدالعزيز إلى الفوزان وثيقة من الملك عبدالعزيز بتعيين عبدالعزيز الفوزان برتبة وزير مفوض