في السبعينات عقب أزمة البترول الأولى (حظر تصدير بترول المملكة مؤقتاً لأميركا) كان الإعلام الأميركي عن بكرة أبيه يتحدث عن اكتشافات ضخمة من البترول في المكسيك ستكون البديل لبترول المملكة. حينها طلبت مُدرستنا في معهد اللغة في مدينة سياتل أن يتحدث كل منا عن مشاعرنا لهذا الاكتشاف الجديد من البترول المكسيكي. كنا خليطاً عجيباً من الطلبة من جميع أنحاء العالم. من بينهم طالبتان من المكسيك تحدثتا عن مشاعر فرحتهما وبأن المكسيك لن تستخدم بترولها لمقاطعة أميركا. وأذكر أنني أنا قلت حينها رغم أننا قد نشعر ببعض التوجس كدولة تعتمد على تصدير البترول. لكننا كجزء من العالم فإننا حتما سنشعر بالفرحة ولن نتضايق بأي اكتشافات بترول جديدة لصالح العالم. وفي نفس الوقت نرحب بأي اكتشاف جديد للبترول لأنه سيخفف الضغط علينا بأن نكون البلد الوحيد المسؤول عن إمداد العالم ببترولنا الناضب. وبالفعل دخلت المكسيك كمنتجة وبائعة في السوق العالمي للبترول فتجاوز إنتاجها المليون برميل العام 1978. ثم واصلت المكسيك زيادة إنتاج بترولها إلى أن وصل إتاجها ذروته عند 3.83 ملايين برميل العام 2004. وبعد ذلك بدأ إنتاج المكسيك ينخفض سنة بعد سنة (بسبب بلوغ حقلها الرئيس كانتارل ذروته) فوصل إنتاجها 1.86 مليون برميل في ديسمبر 2018. وهو أقل من استهلاكها (بمقدار 180 ألف برميل) الذي يبلغ 2.04 مليون برميل. لكن يُواجهني السؤال: هل يوجد لدى المكسيك بترول غير تقليدي قابل للإنتاج عند سعر فوق 125 دولاراً للبرميل؟ المكسيك بالطبع ليست الدولة الوحيدة -ولن تكون الأخيرة- التي ستدخل سوق المُشْترين للبترول. فقد سبقها على سبيل المثال وليس الحصر إندونيسيا من داخل أوبك. وكذلك بريطانيا من خارج أوبك. لقد كان سبب دخول بترول ألاسكا وبحر الشمال والمكسيك إلى سوق البترول في السبعينات (وهذا لا يعرفه الكثيرون: بناء على طلب المملكة بواسطة وزير بترولها معالي الشيخ يماني) لتلبية الطلب العالمي المتزايد للبترول الذي كان ينمو بمتوسط معدل 4.6 % في السنة. بينما كانت الدول الكبرى المستهلكة للبترول تُصر على بقاء سعر البترول منخفضاً عن طريق ضغطها على شركاتها المنتجة لبترول دول الخليج (قبل توطينها) بزيادة إنتاجهم للمحافظة على بقاء سعر البترول منخفضاً. الآن مع بداية العام 2019 لم يعد لبترول ألاسكا وبحر الشمال والمكسيك غير الذكرى الحسنة.. بعد أن قدموا للعالم حوالي 160 مليار برميل بترول من العام 1976 إلى العام 2018 (طوال 42 سنة). فلنفترض لو لم يأتِ بترول ألاسكا وبحر الشمال والمكسيك من أين كان سيحصل العالم على 160 مليار برميل؟ موضوع مقال الأسبوع القادم -إن شاء الله- بعنوان: سيناريوهات إنتاج المتبقي في غوّارنا العظيم.