منذ نهاية عام 1973 بدأت أسعار البترول تشق طريقها على مهل رويدا رويدا (وأحيانا بقفزات فجائية ضفدعية ثم تعاود المسيرة بهدوء) إلى الأعلى بعد أن كانت ثابتة لا تتغير عند مستوى 1.5 - 2.5 دولار فقط للبرميل على مدى مئة سنة (منذ عام 1873 إلى عام 1973). السبب في ارتفاع أسعار البترول منذ السبعينيات لم يكن -كما يعتقد معظم المحللين- أنه بفعل قوة أوبك بل بسبب النمو السريع في الطلب وعدم قدرة العرض على أن ينمو بنفس المعدل. لقد كان من المعروف للعالم منذ أكثر من قرن -مئة سنة- أين هي الأماكن في كوكب الأرض التي من المحتمل أن يوجد فيها البترول بكميات تجارية يُمكن للإنسان التنقيب عنها واكتشافها وتطويرها واستخراج البترول منها لتلبية الطلب المتزايد لا سيما في قطاع المواصلات منذ بداية القرن التاسع عشر حيث كان الإنسان يستخدم حينذاك السيارة الكهربائية (نعم استخدام السيارة الكهربائية سبق استخدام السيارة البترولية) على نطاق ضيق قبل أن يفاجأ الإنسان بالميزة الخارقة للبترول في الاحتراق الداخلي للسيارات. لم يكن مجرد صُدفة ولا اكتشافات جديدة أن يبدأ الإنسان في بداية السبعينيات للتنقيب عن البترول في أكثر منطقتين كانتا مرشحتين لإمداد العالم بالبترول هما منطقة بحر الشمال لتلبية الطلب الأوروبي ومنطقة ألاسكا لتلبية الطلب الأميركي، لكن لم يلبث الأمر طويلا حتى تبيّن أنه لا حاجة حينذاك لتطوير بترول ألاسكا ليس فقط لارتفاع تكاليف إنتاجه بل أيضا -وهو الأهم- لأن أميركا استطاعت أن تلبي جميع احتياجاتها بأسعار رخيصة من إنتاج بترول المناطق الأخرى. الآن بدأت شركات البترول العاملة في بحر الشمال تودع حقول بترول المنطقة بعد نفاد -نضوب- البترول السهل منخفض التكاليف لتبدأ التنقيب في أماكن أخرى معروفة لديها منذ زمن بعيد لكن كانت تحتفظ بها للوقت المناسب، وقد حان الأوان الآن لبداية مرحلة جديدة للمغامرة -رغم قرارات اتفاقية المناخ- في القطب الشمالي تشبه بداياتها في منطقة بحر الشمال. هكذا نستخلص أنه ليس مفاجأة للعالم بل كان مخططا له أن تعاود شركات البترول الكبيرة نشاطها المؤجل لتطوير بترول حقول ألاسكا لسد الفراغ الذي خلّفه رحيل بترول بحر الشمال فجدّدت شركة شل نشاطها في ألاسكا متخذة من مدينة سياتل الوديعة قاعدة لغزو هدوء وسكينة بحر تشوكتش في محيط القطب الشمالي الأميركي ضاربة عرض الحائط بصرخات أنصار البيئة. نعم من المحتمل أن يصبح بترول ألاسكا بترول بحر الشمال الجديد يعوّض عن فقدان بترول منطقة بحر الشمال لا سيما عندما يبدأ بترول معظم دول أوبك السهل الانخفاض القسري عند مستوى الأسعار المكبوتة بفعل التسابق على ما يسمى المحافظة على الحصص. السؤال هو: ما هي كمية البترول الموجودة التي تجعل الإنسان يضحي بصحته وسلامة وتلويث البيئة وترويع الحياة في القطب الشمالي من أجل الحصول عليها؟ سأنقل الجواب من إحصائية مصلحة المساحة الجيولوجية الأمريكية USGS (الجهة الوحيدة التي تقوم بتقديرات جيولوجية معلنة لاحتياطيات العالم) فهي تقول: تقدر كمية البترول الخام التي لم يتم اكتشافها في منطقة القطب الشمالي بمقدار 66.211 مليار برميل معظمها في منطقة القطب لشمال أميركا حيث يبلغ 61 مليار برميل. في زاوية الأحد القادم -إن شاء الله- سنناقش تقديرات البترول التقليدي التي لم يتم اكتشافها حتى الآن، وأماكن وجودها في أنحاء العالم.