أحياناً (من غير أن يطلب منه أحد) يجد الكاتب نفسه مدفوعاً من نفسه لأن يغير موضوع مقال انتهى من كتابته إلى موضوع آخر. هذا ماحدث لي تماما يوم الأثنين الماضي فقد كنت منتهياً من كتابة مقالي الأسبوعي كل يوم سبت الذي اعتدت أن أرسله يوم الأربعاء إلى جريدة الرياض (الأكثر قراءة وبرستيجا بدون منازع في المملكة) لكن فجأة قرّرت أن اكتب في موضوع آخر. تقافزت المواضيع الاقتصادية المحلية التي لا تنتهي إلى دماغي لكن استبعدتها جميعاً وقرّرت أن أبحر بعيداً إلى أقصى مشرق الشمس (بحر شرق الصين). وفقا للتقرير الصادر من إدارة معلومات الطاقة الامريكية EIA بتاريخ 25 سبتمبر 2012 (قبل اقل من شهر) بعنوان: East China Sea فإنه رغم احتمال وجود احتياطيات بترول وغاز كبيرة في منطقة بحر شرق الصين إلا أن الخلاف على الحدود بين الصين واليابان قد يعيق استغلالها. كذلك مما يزيد الأمور تعقيداً في استغلال بترول وغاز المنطقة هو أن الصين واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية أربع دول آسيوية تحيط إحاطة السوار بالمعصم ببحر شرق الصين شبه المغلق. تماماً كما كانت تحيط أربع دول غرب أوروبية (النرويج وبريطانيا والدانمارك وهولندا) احاطة السوار بالمعصم ببحر الشمال شبه المغلق. لكن الذي يبدو لي أنه في الوقت الذي استطاعت الدول الأوروبية أن تتقاسم كعكة بحر الشمال بالتراضي إلا أن الوضع لن يكون بنفس السهولة لتقاسم كعكة بحر شرق الصين لا سيما بين الصين واليابان أكبر دولتين مستهلكتين للطاقة في آسيا وفي العالم بعد أمريكا. تقول إدارة معلومات الطاقة الامريكية أنها تقدر احتياطي البترول المؤكد والمحتمل في بحر شرق الصين ما بين 60 الى 100 مليون برميل فقط. لكن الصين تزعم بان الكمية الكلية التي لم يتم اكتشافها في كامل منطقة بحر شرق الصين قد تصل الى مابين 70 الى 160 مليار برميل (أي أكبر من الاحتياطي التقليدي في أي دولة في أوبك ماعدا المملكة) إلا أن إدارة معلومات الطاقة الامريكية تتحفظ على هذا التقدير فتقول بأنه يجب أخذ العوامل الاقتصادية في الاعتبار عند تقدير الكمية التي يمكن إنتاجها من الاحتياطي الذي قد يتم اكتشافه لأنه ليس كالاحتياطي المؤكد. الذي يهم الدول المنتجة والمصدّرة للبترول (أوبك) لا سيما دول مجلس التعاون التي يشكل البترول لها عصب الحياة هو كيف سيؤثّر اكتشاف احتياطيات جديدة من البترول سواءً في منطقة بحر شرق الصين أو أي منطقة أخرى من مناطق العالم على مستقبل بترولها. الحقيقة التي تغيب عن بال الكثيرين أن اكتشاف احتياطيات بترول في أماكن أخرى لن يضر بترول دول الخليج الرخيص بل العكس سيفيده لانه سيخفّف الضغوط العالمية عليها بمطالبتها لزيادة إنتاجها لتلبية الاحتياج العالمي مما يؤدي إلى نضوب بترولها. لقد اكتسبنا تجربة ثمينة لا تقدر بثمن وهي كيف أن تطوير حقول بحر الشمال والاسكا والمكسيك في الثمانينيات أنقذت بترول الخليج من النضوب المبكر فلولا هذه الاكتشافات لتم ما كان مخططاً من التوسع في إنتاج بترول الخليج فاشرف الآن على النضوب ليبدأ تواً إنتاج بحر الشمال. اهتفوا معي: يا بعد حيي هلا مرحباً الف ببترول بحر بلاد مشرق الشمس