لاشك أن التعاطف مع الآخرين من القيم السامية، التي حض عليها الإسلام. وهي من تمام الخلق، ونبل الطوية، ولين الجانب. الإنسان مجبول بفطرته على التعاطف، فكل نفس سوية، تسكنها روح الرحمة، وتطوقها عاطفة إنسانية، تنهمر كلما رأت مكلوماً، أو موجوعاً، أو مريضاً، أو فقيراً ضاقت به سبل العيش. يد السخاء كريمة ممدودة، تلبي نداء العاطفة. لكن بعض التعاطف يتحول في جوهره إلى إساءة. فبعض نظرات العطف، سهام قاتلة، تصيب القلب بالأسى، وتغتال المعنويات، مهما كان منبعها نبيلاً. حيث لا يكفي نبل العاطفة، وطهارة المقصد، ما لم يكن ذلك التعاطف في شكله ومضمونه السليم. ما أكثر الكلمات الموجعة التي تأتي على هيئة تعاطف سلبي؛ فتلقي بالقلوب المكلومة جرحاً غائراً، وربما أغرقت مدامعها، حتى تكون الإجابة ليتك سكت. تلك الكلمات قد تأتي على هيئة سؤال عن مرض، أو وضع أسري مزرٍ، أو حال اقتصادي متردٍ، أو ملامح نهب الحزن نضارتها. ما أقسى كلمات التعاطف، وما أشقى نظرات العطف، حين توقظ الألم، وحين تعزز الوجع، وحين تجدد المأساة. ليس كل تعاطف في محله، ولا كل لغة عطفٍ يليق استعمالها في كل موقف. إن بعض التعاطف إساءة، يجدر بالعاقل اجتناب مقارفتها، فليس كل الأسئلة يليق طرحها، ولا كل النصائح يجوز إسداؤها، ولا كل مساعدة مادية أو معنوية، تقدم بعفوية وتلقائية. إن من الامتناع عن التعاطف ما يكون في جوهره تعاطفاً، فبعض السكوت عن الأسئلة تعاطف، وبعض التوقف عن الصدقة الصريحة تعاطف، أما التوقف عن نظرات العطف فهو العطف الجميل نفسه. إذاً يمكن أن نختصر كل ما كتب بجملة واحدة: بعض التعاطف إساءة.