سرعة البديهة والفطنة وحسن التصرف والتكيف والتأقلم، بما كان ينظر إلى «الذكاء» فيما مضى، باعتباره بُنية متكاملة ومجموعة من المهام ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببعضها البعض، وكأنها جوهر واحد لا يتجزأ. هذا هو المفهوم التقليدي القديم للذكاء، بدءاً من نظرية سبيرمان مروراً بنظرية بياجيه حتى النظرية السيكومترية وغيرها، والتي انعكست سلباً على المتعلمين حيناً من الدهر؛ لأنها كانت تركز على الجانب «الظاهري» أو الانطباعي فقط لعملية التعليم والتعلّم، ولم تصل إلى جوهر «المتعلم» وقدراته الحقيقية التي يتميز بها. وقد خضع كثير من الأفراد لاختبارات تحديد مستوى الذكاء رغم قصورها واعتمادها على عدد محدود من المهارات التي لا تناسب جميع الأفراد، كقياس العمليات العقلية المتعلقة بالذاكرة، المعرفة، الإدراك، الطلاقة، الاستدلال، القدرة العددية، الانتباه، والاستيعاب.. إذ ربما يتمتع بعض الأفراد بمواهب أخرى فنية وأدبية ورياضيّة وإبداعية واجتماعية لا يمكن قياسها في مثل هذه الاختبارات فقط! وانطلاقاً من نظريات ومحاولات العلماء أمثال ثيرستون وجلفورد وكاتل لتحديد أبنية القدرات العقلية، ونظرية ستيرنبرج لتحليل مكونات الذكاء، فقد فجّر عالم النفس الأميركي «هوارد جاردنر» ثورته الفكرية، والتي غيرت مفهوم الذكاء البشري، وأثرت كلية على نظريات التدريس والتعامل مع الأفراد، بل على نظم التعليم في العالم! تلك «نظرية جاردنر» أنه لا يوجد شخص غبي، بل من المؤكد تميزه في مهارةٍ معينةٍ كالتواصل الاجتماعي، أو ميولٍ رياضية حركية أو فنية وأدبية.. إذ إن الذكاء ليس واحداً، بل بُنية متعددة ومتباينة بتباين الأفراد وما يمتلكون من قدرات مستقلة وطاقات عقلية وفروق فردية. وتعرف هذه النظرية الحديثة بالذكاءات المتعددة (Multiple Intelligence Theory)، والمقسمة لثمانية ذكاءات: لغوي، منطقي رياضي، تفاعلي، ذاتي، جسمي رياضي حركي، موسيقي، بصري فضائي مكاني، وطبيعي. وترى النظرية أن هناك أفراداً يتمتعون بقدرات عقلية خارقة في بعض المجالات، رغم أنهم لا يحصلون في اختبار الذكاء العام إلا على درجات متوسطة أو دونها! هذه النظرية دعت التربويين إلى استخدام استراتيجيات متعددة في التدريس، مع ضرورة الاتحاد والعمل سوياً لخلق المزيد من الفرص التعليمية لجميع الطلاب داخل الفصل الواحد، وتقديم أنشطة متعددة ومتنوعة لهم وبيئة مثيرة ومرحة، تتلاءم مع ما لديهم من ذكاءات وفروقات فردية؛ لتزيد من قيمة ذواتهم ودراستهم وتساعدهم على حل المشكلات وتنمية الإبداع الفكري لديهم. ومن هنا ختمنا الأنواع الثمانية من الذكاءات المتعددة في سلسلة المقالات السابقة وطرحها مفصلةً، وتثبت أنه لا يوجد غبيّ بيننا، في مدارسنا، جامعاتنا.. كما يعتقد البعض أو الكثير!