ما أعلنه الديوان الملكي مؤخراً عن قيام اللجنة العليا لقضايا الفساد العام باستعادة قرابة 400 مليار ريال لخزانة الدولة، على وقع القضايا الأخيرة، يكشف لنا عن أن مملكة الحزم والعزم، تتعامل مع كافة الملفات الشائكة والمثيرة للجدل بشجاعة منقطعة النظير وبحسم وبإرادة غير مسبوقة. ليس الأمر أننا كنا أمام واحدة من أكبر حملات مكافحة الفساد في العالم تمت مواجهتها بغض النظر عن الأسماء المتورطة فيها، وليس الأمر مجرد ضخ هذه الأموال التي بلغة الأرقام تعادل 10 أضعاف عجز الميزانية العام الماضي، أو قيمة بيع 1.8 مليار برميل من النفط "توازي إيرادات تصدير النفط لعام كامل"، ولكن القيمة الكبرى أو العبرة في أننا أمام نهج دولة قوية ترسي مبادئ النزاهة وتخوض حرباً على الفساد لا تقل أهمية عن حربها ضد الإرهاب وسيادة حدود الوطن.. والأهم أنها تضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية والقانونية بما يضمن حماية المال العام من لصوصه ومتهربيه وأيضاً سوء استخدام النفوذ والسلطة. لا أبالغ كمواطن إن قلت: إن المملكة بهذا الإجراء الحاسم تدشّن لحقبة جديدة وحاسمة من تاريخها يقودها فيها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد - يحفظهما الله -، عنوانها الحزم والحسم في محاربة كل فاسد أو مفسد، و"تجفيف" منابع هذا الفساد في كل أجهزتنا ومؤسساتنا ومرافقنا الحكومية؛ والتعامل بشدة مع أي متلاعب أو متجاوز بحق المال العام، مع فضح أي ممارسات منحرفة بغض النظر عن شخصية المتورط فيها، حيث إن هذا الفساد المرتبط بسوء الإدارة يعتبر السبب الرئيس في عرقلة كل مشروعاتنا التنموية وهدر مبالغ كبيرة ترصدها الدولة سنوياً ضمن كل ميزانياتها القياسية لتحسين حياة المواطن وإنجاز ما يليق به من مشروعات عملاقة ضمن استراتيجياتنا النهضوية المتتابعة. الأمل معقود على الرقابة الصارمة بالتزامن مع شفافية ومحاسبة كاملة لاجتثاث هذه الآفة الخطيرة، والأمل معقود أكثر على بناء جدران صلبة من التوعية والتثقيف للمواطن قبل المسؤول، بخطورة مثل هذا السوس الذي ينخر في جسد الوطن ويشكل عائقاً فتاكاً بكل دعائم التنمية والنهوض في شتى نواحي حياة مجتمعنا. باختصار؛ اجتثاث الفساد من جذوره وتجفيف منابعه الإدارية والمالية وبهذا الشكل الرادع، يعني لي كمواطن أننا في بداية طريق طويل وشاق من أجل ترسيخ مفهوم سيادة الدولة بشرعها وقانونها ونظامها العام مجتمعياً وتنفيذياً، وأن هذا المفهوم يضع الجميع سواسية أمام طائلته دون تفرقة بين أشخاصهم أو مناصبهم أو مواقعهم.. وأن كل خطوات الإصلاح تلقى التأييد الشعبي والمعنوي مهما كانت قسوتها، والأهم أيضاً أن هذا الإجراء أعاد الثقة لدور الجهات الرقابية لممارسة دورها دون خشية أحد إلا الله، ثم المصلحة الوطنية العليا.. باختصار أكثر: إننا أمام انطلاقة غير مسبوقة لوطن يزداد تفاؤلاً وطموحاً.