بعد خروجهم من الكيلومترات الأخيرة تحت سيطرة تنظيم «داعش» في شرق سورية، يواجه أطفال رضع في مخيم للنازحين شمال شرق سورية سباقاً مع الوقت للنجاة من سوء التغذية الذي يفتك بأجسادهم الهزيلة. ويستقبل مخيم الهول في محافظة الحسكة منذ أسابيع، نساء وأطفال يصلون تباعاً على متن شاحنات، مئتان منهم وصلوا الخميس، قادمين من محيط بلدة الباغوز التي تشكل خط الجبهة الرئيس بين قوات سورية الديموقراطية والتنظيم المتطرف. في عيادة للهلال الأحمر الكردي داخل المخيم، يقول طبيب الأطفال عنتر سنّو (48 سنة) لوكالة فرانس برس «يصلون إلينا عظماً وجلداً» في إشارة إلى بنيتهم الهزيلة. ويعيش السكان في آخر نقاط سيطرة التنظيم، وبينهم الأطفال، ظروفاً بائسة مع توفر القليل من الطعام والمياه والدواء. وفور وصولهم إلى المخيم المخصص للخارجين من مناطق التنظيم، يسارع طاقم الهلال الأحمر الكردي إلى فحص الأطفال، خصوصاً من تقل أعمارهم عن السنة الواحدة، ومعاينة أطرافهم الهزيلة وبشرتهم الجافة والمشدودة ومعرفة إذا ما كانوا يعانون من عوارض الإسهال. ويوضح سنّو «لدينا فريق في خيمة الاستقبال، ويقوم بعملية مسح كامل، وإذا رأوا أي حالة يُحتمل أن تكون سوء تغذية، ينقلون الطفل فوراً إلى سيارة الإسعاف». ولا يعني ذلك أن معاناة هؤلاء الأطفال انتهت، إذ لا تتوفر لدى الطواقم الطبية الموجودة في مخيم الهول، الذي استقبل أكثر من 25 ألف نازح في الأسابيع الأخيرة على وقع تقدم قوات سورية الديموقراطية، الإمكانات اللازمة لعلاج حالات سوء التغذية الحادة لدى الأطفال، لذا يتم إرسال الحالات المتقدمة منهم إلى مستشفى في مدينة الحسكة، في رحلة تستغرق ساعة من الوقت. ويوضح سنّو «يصلون تقريباً وهم متوفون، لكن إذا تمكنا من إرسالهم إلى المستشفى يمكن أن ننقذ حياتهم» مضيفاً «الوقت مهم جداً وعلينا استغلاله، (يجب إرسالهم) في الدقيقة ذاتها وليس في النهار ذاته». «لم يشبع» ودفعت العمليات العسكرية وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، أكثر من 37 ألف شخص إلى الخروج من آخر مناطق سيطرة التنظيم منذ مطلع ديسمبر، وغالبيتهم نساء وأطفال من عائلات المتطرفين، وبينهم نحو 3400 عنصر من التنظيم. وسار عدد منهم لساعات طويلة وأيام وسط الصحراء في ظل برد قارس قبل بلوغ نقاط قوات سورية الديموقراطية التي تستقبلهم في موقع فرز أنشأته قرب بلدة الباغوز، حيث تدقق في هوياتهم وتأخذ بصماتهم. ثم تأخذ المشتبه بانتمائهم للتنظيم إلى مراكز تحقيق، وتنقل البقية وبينهم النساء والأطفال إلى مخيم الهول شمالاً. وغالباً ما تكون رحلة الخروج من مناطق التنظيم محفوفة بالمخاطر. وأحصت الأممالمتحدة وفاة 35 من الأطفال وحديثي الولادة خلال الشهرين الأخيرين معظمهم بسبب البرد، أثناء فرارهم مع عائلاتهم من الجيب الأخير للتنظيم، الذي تستهدفه قوات سورية الديموقراطية بهجومها منذ سبتمبر. ويروي أحد الموظفين في المخيم لفرانس برس أنه شاهد نساء ينزلن من الشاحنات مع أطفالهن، من دون أن يعلمن أنهم فارقوا الحياة خلال الطريق. وكادت العراقية استبرق (22 عاماً) أن تفقد ابنها أحمد البالغ من العمر ثلاثة أشهر قبل وصولها إلى المخيم. وتقول السيدة التي فرت قبل عشرين يوماً من مناطق التنظيم لفرانس برس «حين كنا في الباغوز كان يرضع لكن من دون أن يشبع». وتشرح أثناء وجودها داخل خيمتها «كانت حالته سيئة جداً، وعندما وصلنا إلى المخيم، حولوه مباشرة من قاعة الاستقبال إلى المستشفى» للعلاج. وتمكنت هذه الأم الشابة من مرافقة طفلها إلى مدينة الحسكة في اليوم الأول، من دون أن يُسمح لها بالبقاء معه، كما تروي. وتفرض قوات سورية الديموقراطية إجراءات مشددة على المخيم، خشية من تسلل متطرفين في صفوف المدنيين. وتقول استبرق: «لو يسمحون لي بيوم إجازة حتى أتمكن من رؤيته وإرضاعه حتى ولو لمرة واحدة».