منذ نزول أسعار النفط أكتوبر الماضي من عام 2018 لم تجد أسعار النفط الآلية الرافعة القادرة على الصعود بالأسعار إلى الأسعار السابقة أو حتى اكتساب النسق الصعودي الذي كانت عليه، لعل حالة الارتباك والقلق التي تبعت قرار الفيدرالي برفع نسبة الفائدة في الربع الرابع من 2018 لم تختفِ آثارها حتى بعد قراره الإبقاء على نسب الفائدة عندما اجتمع مؤخراً في يناير من 2019. الظروف الاقتصادية الكبرى كالحرب التجارية وتوقعات تباطؤ نسب النمو الاقتصادي العالمي وما يدور بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بشأن البريكست كلها تبعث بالكثير من عدم اليقين في أسواق المال الكبرى. التدفقات المالية على الأسواق في تناقص مستمر على أسواق الأسهم والسندات والصناديق وحتى السلع. الأزمات الإمدادية المتقطعة كما في فنزويلا وليبيا وما يدور في الأسواق الناشئة من أزمات لا تبعث على الاطمئنان، ضبابية واسعة تجتاح الأسواق المالية إلا أن معايير تحديد السعر المناسب للنفط لا تزال مضطربة ما بين ما يدور في أروقة المنتجين والمستهلكين وما بين أسواق المال والعملات والظروف الاقتصادية العالمية الراهنة، إضافة إلى ذلك فإن حالة التخوف دفعت بالمستثمرين إلى البحث عن أسواق أكثر أمنا من الارتباط بأسواق معينة أو عملات غير مدعومة وهو ما نراه واضحاً في ارتفاع أسعار الذهب. ثمة مؤشرات مقلقة تسيطر على المشهد العام في أسواق النفط، أسعار الخامات القياسية أصبحت تأخذ طابع الأسواق المحلية والأسواق الإمدادية بدلاً من طابع البورصات العالمية الكبرى والتي هي أكثر استقراراً في تذبذبات أسعار النفط. قد تبدو الأسواق النفطية ممتلئة كمياً إلا أن النوعية النفطية سيكون لها تأثير أكبر مع مرور الوقت على منتجي النفوط الثقيلة، أسرع المتأثرين سيكون مصافي النفط العالمية وتحديداً الآسيوية منها والتي تكون أكثر حساسية لبيانات نقص الإمدادات النوعية وتأثر الطلب، الهوامش التكريرية عند أدنى مستوياتها منذ سنين وتأثرت بأسعار النفط الذي يعد منخفضاً إلى حد ما، إلا أن نوعيات النفوط الخفيفة الوافرة في الأسواق والنفوط الثقيلة النادرة في الأسواق بدأت في إبراز التأثير النوعي أكثر من التأثير الكمي. أسواق النفط بحاجة إلى إعادة معايير لتكون عند المستويات المواكبة للإنتاج الحالي الذي يعد عند الحدود القصوى للمنتجين ويواكب أيضاً الطلب المتنامي المحفز للأسعار. أهم هذه المعايير هو عودة الاطمئنان الاستثماري في الأسواق وضخ كمية كافية من السيولة تعيد لأسعار السلع معايير العرض والطلب. هذه السيولة فعلياً لم تخرج من الأسواق وأنما خرجت من القطاعات المالية والسلع ذات الطابع السعري الدوري كالأسهم والنفط إلى القطاعات المالية الأقل خطورة ذات الطابع الادخاري كالذهب. ثاني أهم العوامل هو وضوح التوازن بين العرض والطلب لدعم الأساسيات. ثالث أهم العوامل هو استقرار البيئة المالية المصاحبة لعملية تسعير النفوط المختلفة نوعياً بعيداً عن تأثيرات المضاربين على أسعار الآجل. إجمالاً قد لا تتحقق هذه العوامل إلا بأحداث حالة تحول في السوق بفعل تغير الكميات المتوفرة في السوق أو حتى الدخول في حالة شح مؤقتة.