مما لا جدال فيه أن النفط حتى الآن يعتبر عصب الحياة ومصدر الطاقة الأول والمهيمن على حراك الحضارة الحديثة وذلك على الرغم من كل ما قيل أو يقال عن بدائل الطاقة التي ربما يكون لها شأن كبير خلال العقدين أو الثلاثة القادمة وذلك في ضوء تزايد استهلاك العالم من الطاقة وزيادة الحاجة إلى مصادر طاقة جديدة خصوصاً وان احتياطيات النفط باتت محدودة وزمنه الافتراضي يكاد يكون معلوما. اقامة البورصة سوف يؤدي إلى خلق فرص وظيفية لعدد كبير من الشباب بالاضافة إلى تفعيل الخبرات المتوافرة في المملكة وإدخال ثقافة جديدة يسمع الكثير عنها دون ان يعرف كيف يمارسها. كما أن ذلك سوف يؤدي إلى استخدام واستحداث النظم الاستثمارية الحديثة ذات العلاقة وآلياتها وأدواتها ما يجعل المملكة مركز خبرة نفطية عالميا وعلى ضوء ذلك لابد من اتباع سياسات أكثر تحفظاً للتعامل مع ذلك المارد الأسود، ولعل من أهمها تصديره مصنعاً بدلاً من تصديره بصورته الخام وهذا سوف يطيل عمره الافتراضي من ناحية، وتحقيق عوائد أفضل من ناحية أخرى. كما أن إنشاء سوق دولية لبيع النفط أصبح من الأهمية بمكان خصوصاً في دولة مثل المملكة العربية السعودية التي تشير كل البوادر والوقائع والاحتمالات إلى انها أكثر الدول تأهيلاً لتحمل مثل تلك المسؤولية بل انها الأقدر على الاستثمار في ذلك المضمار وذلك لتوفر جميع المعطيات التي تؤهلها للولوج في ذلك الخيار الذي تحتاجه السوق المحلية والاقليمية والدولية. فعلى المستوى المحلي تمثل البورصة النفطية السعودية قناة استثمارية جديدة يحتاجها المواطن والمقيم خصوصاً ان فرص التداول القائمة حالياً مقصورة على العقار وسوق الأوراق المالية. ناهيك عما يترتب على ذلك من فهم ووعي بما تقوم به مثل تلك الأسواق من دور في حفظ حقوق المملكة وإفراز جيل يدرك ماهية التعامل مع مثل تلك الأسواق. أما على المستوى الاقليمي فإن منطقة الشرق الأوسط والمناطق المحيطة بها بحاجة إلى سوق نفطية على درجة عالية من المهنية وذلك على الرغم من وجود سوقين تحت الانشاء في كل من دبي وإيران. أما على المستوى الدولي فإن أهم البورصات القائمة حالياً فهي بورصة البترول الدولية (IPE) ومقرها لندن، وبورصة نايمكس (nymex) ومقرها نيويورك. وفي الشرق الأقصى يوجد بورصة سيمكس (simex) ومقرها سنغافورة. ومن ذلك يتضح أن هناك فجوتين بين هذه البورصات إحداهما مكانية حيث البعد الجغرافي بين بورصة الشرق وبورصات الغرب وهذا يعني ان منطقة الشرق الأوسط التي تقع بينهما في أمس الحاجة إلى بورصة تغطي الفجوة السكانية. أما الفجوة الثانية فهي فجوة زمنية تتمثل في فارق التوقيت بين بورصة سنغافورة وبورصتي لندنونيويورك وهذا يعني ان وجود بورصة في المملكة سوف يشكل حلا وسطا للفجوة الزمنية لأنها سوق تشكل حلقة وصل بين البورصات القائمة ناهيك عن تغطية منطقة شاسعة في أمس الحاجة إلى خدماتها. يضاف إلى ذلك ان سلعة النفط من أكثر السلع في العالم تداولاً وأهمية كما أن النفط السعودي في الغالب يباع على أساس اتفاقيات ثنائية تعقدها المملكة مع الدول والأطراف الراغبة في استيراده. وعلى الرغم من أن أسعار النفط تخضع في الغالب لقوى العرض والطلب إلا أن هناك عوامل عديدة تؤثر في تلك الأسعار من أهمها مستوى المخزون الاستراتيجي لدى الدول الكبرى خصوصاً لدى أمريكا وحدوث الأزمات المفاجئة، كما أن للزمن والتاريخ الذي تعقد أو تنفذ فيه الاتفاقيات المبرمة دورا مهماً، بالاضافة إلى التوقعات والاحتمالات التي يستقرئها البائع والمستورد حول أسعار الطاقة ارتفاعاً وانخفاضاً في الطلب، ناهيك عن دور المضاربة، ودور بورصات النفط العالمية التي تتحكم وتؤثر سلباً أو ايجاباً في أسعار النفط. وفي السنوات الأخيرة دخل إلى سوق الطاقة العالمية عامل قديم وجديد في نفس الوقت وهو الغاز الذي أصبح من الأهمية بمكان لتعدد استخداماته التي منها استخدامه كوقود في المنازل وفي السيارات ووسائل النقل الأخرى واستخدامه كلقيم في الصناعات الكيميائية. هذا وقد وصلت أهميته إلى درجة أن هناك بوادر لانشاء منظمة خاصة ببيع الغاز وتصديره على غرار منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك). إن وجود فراغ في سوق النفط في الخليج والشرق الأوسط واللذين يصدران أكثر من (70٪) من مجمل صادرات النفط العالمية وبحكم انه يوجد أنواع ودرجات مختلفة وكثيرة من النفط وبحكم التعارف على عدد محدود من خامات النفط وجعلها معياراً مثل خام برنت ووست تكس ودبي وعلى الرغم من محدودية كميات النفط المباعة بناء على تصنيف خام برنت الذي لا تتعدى الكمية المباعة منه (250) ألف برميل في اليوم. وهو أقل بكثير مما تبيعه المملكة من خاماتها والتي تبلغ هذه الأيام (12.5) مليون برميل يومياً وعلى الرغم من أن أسعار الأصناف الأخرى للنفط تتحدد إما بالخصم أو بالزيادة حسب الجودة فإن هذا يعني ان التحكم في اختيار وتحديد المعيار النفطي في سوق البورصة يأتي في المقام الأول من واقع الدولة التي تقع فيها البورصة النفطية.. من ذلك كله يتضح أهمية إنشاء بورصة للنفط في المملكة والتي تتمتع وتمتلك كل المقومات والشروط الأساسية لاقامة مثل تلك السوق المهمة التي تعتبر المملكة أكثر الدول أحقية وأهلية لامتلاكها. ولعل من أهم المميزات والعوامل التي تشهد بذلك ما يلي: * أن للمملكة موقعا جغرافيا متميزا وذلك لتوسطها قارات العالم وأسواق النفط العالمية كما أن المملكة تشكل بؤرة الشرق الأوسط وهي تطل على الخليج العربي من الشرق والبحر الأحمر من الغرب بالاضافة إلى قربها من كل من بحر العرب والبحر الأبيض المتوسط ومن خلال ذلك الموقع الفريد تشكل المملكة واسطة العقد في كل مجالات الاستثمار بما في ذلك بورصة نفط عالمية مرموقة. * أن المملكة دولة مستقرة سياسياً وأمنياً واقتصادياً مدعوماً ذلك بمصداقية متميزة وانفتاح اقتصادي وثقافي وعلاقات متميزة مع جميع الدول وذلك لالتزامها بالمعاهدات والمواثيق الدولية ولأنها من أكبر الداعين والداعمين للأمن والسلام العالميين. * تعتبر المملكة أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم وهي في نفس الوقت تملك أضخم الاحتياطيات النفطية حيث تملك ما يصل إلى (20٪) من الاحتياطي العالمي للنفط بالاضافة إلى (10٪) من احتياطيات الغاز المحتملة أو أكثر. * تتمتع المملكة بسياسات اقتصادية ومالية محافظة بعيدة عن الانفعال والمقامرة والتذبذب مما كان له أكبر الأثر في الحد من تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد السعودي وهذا الأسلوب يضمن للبورصة في حال إنشائها الثقة والمصداقية والأمان. * ميزانية المملكة تعتمد على عائدات تصدير النفط بنسبة قد تصل إلى (80٪) ناهيك عن إمكانية وصول الطاقة الانتاجية للمملكة إلى (12.5) مليون برميل يومياً واحتمال ارتفاع ذلك إلى (15) مليون برميل في اليوم خلال العشرين سنة القادمة. * تمثل المملكة القوة الاقتصادية الكبرى في مجلس التعاون الخليجي والدولة الأولى في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ولها دورها المؤثر والفاعل على المستوى الاقليمي والعربي والإسلامي والعالمي. * أن الحاجة إلى النفط في تزايد مستمر ويتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط ليصل إلى (120) مليون برميل يومياً بحلول عام (2030). * أن المملكة تملك أنواعا مختلفة من النفط مثل العربي الخفيف والعربي الثقيل وغيرهما من الأنواع.. ومن الجدير بالذكر ان هذا التصنيف يعتمد على نسبة الكبريت في البترول فكلما كانت نسبة الكبريت عالية انخفضت جودته وكلما كانت نسبة الكبريت منخفضة زادت جودته. إن وجود بورصة نفط سعودية يمّكن من إشهار معيار أو معايير خاصة بالنفط السعودي ورفع شهرته بين الأصناف الأخرى من البترول التي ينسب إليها بدلاً من أن يكون نداً لها وتنسب الأنواع المختلفة من البترول إليه. نعم إن إنشاء بورصة للنفط في المملكة له فوائد ومزايا عديدة تعود على الدولة والمواطن وعلى فرص الاستثمار وعلى سمعة وشهرة المملكة ومكانتها كأكبر دولة منتجة ومصدرة ومصنعة للبترول ومشتقاته .. ولعل أهم الفوائد المتوخاة من إنشاء البورصة يتمثل فيما يلي: - السوق النفطية (البورصة) تعتبر وسيلة فعالة لتسويق النفط ومشتقاته واجراء التعاقدات الدولية والاقليمية ولذلك فإن انشاء مثل تلك البورصة في المملكة سيساعد على حماية وصيانة حقوق المملكة النفطية بشكل سليم. كما أن ذلك سوف يكون له اثر ايجابي بالغ على نظام تسعيرة نفط المملكة في الأسواق العالمية مثل أسواق لندن (IPE) ونيويورك (nymex) وسنغافورة (simex) كما أن بيع النفط سوف يصبح مباشرة من المصدر وليس عبر وسيط. - أن يصبح للنفط السعودي معيار خاص يغنيه عن الارتباط بالمعايير المعروفة حالياً مثل مزيج برنت وغرب تكساس ودبي وبذلك يأخذ مكانته التي تليق به من حيث الجودة والكم والكيف. أي ان خلق أداة معيارية للنفط العربي المصدر يعزز من الاعتراف به كصنف قياسي عالمي. كما أن ذلك يشكل اساساً شفافاً لإمدادات النفط العالمية. - تعتبر البورصة من أهم القنوات التي تحكم العلاقات بين قوى الانتاج والمستهلك لذلك فإن وجود بورصة للنفط في المملكة سوف يخدم المملكة ودول الجوار ناهيك عن ذلك لن يشكل خطراً على مناطق نفوذ البورصات الأخرى بل بالعكس سوف تشكل تلك السوق حلقة وصل بينها يردم الفجوة الزمانية والمكانية القائمة حالياً. - وجود مثل تلك البورصة سوف يمكّن من بناء استراتيجيات طويلة المدى سواء فيما يتعلق باستقرار أسعار النفط أو حماية السوق من المضاربات المفتعلة كما انها يمكن ان تحقق توازنا بين عمليات العرض والطلب. - أن وجود بورصة لبيع وتداول النفط في المملكة يخلق قناة استثمارية طالما حلم بها المواطن والمقيم وذلك لشح القنوات الاستثمارية القائمة حالياً والتي تنحصر عمليات التداول فيها على العقارات وسوق الأوراق المالية على الرغم مما يعاني منه الأول من مغالاة وما يعانيه الثاني من عدم استقرار. - أن إنشاء بورصة للنفط سوف يؤدي إلى جذب العديد من الخبرات والمتخصصين الدوليين في هذا المجال وهؤلاء بدورهم سوف ينقلون الخبرة إلى أبناء المملكة من خلال الاحتكاك والتدريب. - أن اقامة البورصة سوف يؤدي إلى خلق فرص وظيفية لعدد كبير من الشباب بالاضافة إلى تفعيل الخبرات المتوافرة في المملكة وإدخال ثقافة جديدة يسمع الكثير عنها دون ان يعرف كيف يمارسها. كما أن ذلك سوف يؤدي إلى استخدام واستحداث النظم الاستثمارية الحديثة ذات العلاقة وآلياتها وأدواتها ما يجعل المملكة مركز خبرة نفطية عالميا. - أن حجم التعاقدات التي سوف تتم من خلال تلك البورصة سوف تدر عائداً عظيماً من الايرادات والعملات التي سوف تستفيد منها خزانة الدولة ناهيك عن تعظيم المردود الاقتصادي للنفط. وعلى العموم فإن وجود تلك المقومات وإمكانية تحقيق تلك الفوائد تجعل إنشاء بورصة للنفط في المملكة حلما قابلا لأن يتحول إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع في المستقبل القريب خصوصاً في ظل قيادة واعية تنشد التميز والمصلحة العامة في كل ما تسعى إلى تحقيقه من حراك دائب نشاهده ونستشعره كل يوم. وعلى أية حال فإن أهم المبادرات التي يجب اتخاذها بعد القرار السياسي تتمثل في إنشاء هيئة عامة تشرف وتضع الأنظمة والقوانين وهيكلة تلك السوق بالاضافة إلى الشروط وغيرها من العوامل السائدة ذات الأهمية مثل التنسيق مع البنوك والهيئات الممولة والضامنة وشركات الوساطة وغيرها من الأمور التي تكفل تنظيم التعاملات بين الأطراف المختلفة مثل البائع والمشتري والمتداول والمستثمر. كما أن إشراف تلك الهيئة على التداول والتحكم به وضمان استقراره من أهم عوامل نجاح السوق وبالتالي مصداقيته وشهرته خصوصاً إذا تمتعت تلك الهيئة بالامكانات والصلاحيات والاستعانة بأفضل الخبرات المحلية والعالمية. ومن ناحية أخرى فإن مجلس التعاون الخليجي وهو يتجه من التعاون إلى الاتحاد يمكن ان ينشئ بورصة خليجية موحدة للنفط كواحدة من خطوات الاتحاد الخليجي وهذا له فائدة كبيرة تمنع الازدواج وتوحد المسار. والله المستعان.