لم يكن العرب قوم رواية، أو قصة، أو حتى قصيدة نثر.. حين اختاروا من الشعر العمودي أو «البيتي» سيرة لتاريخهم، حَمَلَتْ وحُمّلتْ واحتملت حتى تواريخهم وأحداثهم، والواضح في كل ذلك بروز الشاعر الذكر وتصدّره المشهد مقارنة بشاعرة أو شاعرتين يجود بهم التاريخ بين حقبةٍ وأخرى، ولظروف وحوادث خاصة.. فالخنساء مثلاً لم تكن لتطفو على سطح التاريخ الشعري القديم لولا مرثياتها في أخيها صخر.. حتى كأننا لا نعرف للخنساء شعراً غيره بل إن قصائد الخنساء كلها قامت على حصرٍ متوارث للأمجاد الذكورية التي جمعتها لأخيها صخر في مرثياتها التي تناقلها التاريخ. وحتى بعد أن تمدّنت الحياة في «الأندلس» على سبيل المثال وظهرت «ولادة بنت المستكفي.. لم تكن لتحضر بيننا لولا جرأتها المثيرة في علاقتها مع الذكر - كما أراد لها الرواة - من ناحيةٍ، وارتباط تاريخها بالشاعر الأندلسي الكبير ابن زيدون. وربما يبدو للبعض من خلال ما سبق إقصائية للأنثى من تاريخنا الشعري القديم وتغييب قاسٍ لها.. لكننا نحاول أن نستعرض التاريخ لقصيدتنا «العمودية» التي ظل إيقاعها عند العرب مقدّساً.. حتى تحطم هذا الصنم الذكوري على يد الشاعرة العراقية «نازك الملائكة» في الأربعينات من القرن الماضي عبر قصيدتها «الكوليرا» التي يعدها الدارسون أول قصيدة عربية تحطم عمود الشعر القديم.. وذكورية القصيدة العمودية «البيتية» كان الصديق الشاعر الكويتي دخيل الخليفة قد أثارها في المنصة الاجتماعية « تويتر» وأحالها إلى خشونة هذا النوع من الشعر وانشغاله دائماً بالانضباط الإيقاعي مما يجعله غريبًا أحياناً عن التفاصيل الصغيرة والشؤون الدقيقة التي اتسم بها الإبداع الأنثوي في الأشكال الشعرية الأخرى كالتفعيلة أو قصيدة النثر مما لا يتسق مع هذه الصرامة الإيقاعية التي تميزت بها القصيدة العمودية، ولكن للأسف الشديد قوبل طرحه النوعي العميق بانفعالات أخذته إلى أبعاد أخرى وصلت إلى تزوير فكرته وتحوير غايته منها مما دفعه للتوضيح عبر مداخلة له في صحيفة عكاظ. والحقيقة أن تاريخ شعرنا العربي القديم يؤكد ما توصل له الصديق الخليفة من قناعة فيما يراه من تميز ذكوري وإخفاق حد الغياب للأنثى.. ولعل استقراء سريعاً لتاريخنا القديم يدعم كل ما ذهب إليه الصديق الخليفة، لاسيما بعد أن ربطوا الشعر بالفحولة، إذْ من المعروف أنَّ كتاب «طبقات فحول الشعراء لابن سلّام الجمحي المتوفَّى في العام 847 م» من أوائل الكتب التي اهتمت بجمع الشعر وتصنيفه والتفاضل فيه.. ولعلّ مفردة «فحول» التي جاءت في العنوان تحسم هذه القضية حتى وإن أغضبنا شاعراتنا المبدعات فينا.