في فترة ازدهار أي مجال واهتمام المجتمع به يكون للمختصين فيه والموهوبين حضورهم المفرح، لأنهم يجدون أنفسهم فيه ولمواهبهم وتجاربهم متنفساً مفيداً يحقق آمالهم وتطلعاتهم، فيسهمون بمواهبهم تلك وخبراته وتكون مكانتهم محفوظة متوافقة مع الوضع الطبيعي والواقع الذي تهيأ لهم، وكما يقال: «الرجل المناسب في المكان المناسب» ورغم أن العبارة فضفاضة قابلة لأن تطبق في كل شيء؛ في الحرف والمهن والتخصصات والمسؤوليات والخبرات والمواهب فمن ذلك أيضاً مجال الشعر والقصيد والتعبير عن المشاعر. فإذا برز الشعر والشعراء في عصر من العصور واهتم المجتمع بهم وأفرد لهم مكانة اجتماعية مقدرة؛ رداً لجميل ما يقدمونه من إرشاد وتوجيه ومحافظة على القيم والعادات النبيلة وحلول المشكلات الاجتماعية والتنبيه على الفضائل وتجنب الزلل، فإن وصول الشاعر والحالة تلك لمكانته المتميزة هذه تجعل الأنظار تتوجه إليه وقد ينافسه من لا يستحق بل ولا موهبة لديه في الشعر أصلاً وإنما طمعاً في المكانة الاجتماعية وحسب فهو يريد أن يسمى شاعراً وليس لديه مقومات الشعر، فيكون هذا الأخير متسلقاً كالنبتة الهزيلة لا ساق لها ترتقي على أشجار النخيل ولكنها لا تقوى على تحقيق قدرة وشموخ مثلها ولا تستطيع مواجهة الرياح بثبات. ليست هذه ظاهرة في عصرنا ولكنها قديمة، وهي مصاحبة مماثلة لكل ما شابهها، والشاعر الفعلي يعرف ذلك كما أن المتطفل على مكانة الشعر والشعراء يعرف أيضاً وقد يغتر أحياناً، وهذه المعرفة لم تمنع تلك الظاهر من التكرار في كل الأجيال تقريباً، ومما يؤسف له أن المتطفل يحصل على مبتغاه لأن النقاد يترفعون عن نقد الشعر الهزيل والاهتمام بالمتطفلين إذ لا وقت لديهم، وأما كبار الشعراء فعبارتهم المشهورة « الميدان يا حميدان» قد جعلوا الميدان يسع الجميع ويتضح وسط الميدان وينكشف من يمتلك المواهب والقدرات الشعرية ومن يفتقدها، والنخيل عادة لا تعنيها الأعشاب حولها. وتنحصر الشكوى في وضع مثل هذا في وجع يصيب الشعراء خوفاً على مكانة الشعر وليس على مكانتهم، خوفاً من هزيل يشوه صورته أو تهتز أما المتلقي المجتمع باعتباره نافذة تعبير مهمة وتهم الجميع، فيختلط كثير هابطه بقليل جيده أو يكون وجهة لمن لا وجهة له أو يستغل بأي صورة كانت. ومما يطمئن أن للشعر والشعراء سجلاً أميناً وتاريخاً قوي الذاكرة لا يحابي ولا يشترى قلمه، فإذا كان للشعر نجوم وكواكب وأقمار فإنها تبقي مكانة كل منها محفوظة عبر الزمن يحفظها لهم تاريخهم الشعري وما قدموه من عطاءات متميزة، ويبقى «نفض الخرج» خارج اهتمام التاريخ. يقول الشاعر رشيد الزلامي رحمه الله . الشعر ماني مقترح دستوره ولاني وكيل آدم على مذخوره ولكن من شيٍ يحز بنفسي هاضت به أفكاري وهي مجبورة شعر النبط شفته بوسط الشارع يمشي ويسحب رجله المكسورة وما شاهدت عيني عرفت أسبابه زان الزمان وبانت المصرورة الشعر صارت هيبته ماطية تشاوتوه الربع مثل الكورة يشوته الفارس وجاه الحارس ينقز على رجله ويلطم زوره وأهدافهم يا للأسف مكشوفة أغراض شخصية وصوت وصورة يستخدمون الشعر لابسط حاجة وش هالبشر منهيةٍ مأمورة إما يذم رَجلٍ بدون مبرر أو يمدحه مدحٍ يمس شعوره مدحه بوجهه يعتبر مسبة إن كان يعرف مستواه ودوره و إلى تهيض عمنا متغزل واعطى الجهاز الحر من ميسوره يصف بنات الناس وصفٍ خاطيء وداوم بحلقٍ كنه الماصورة ثم قال أنا شاعر وجاك محدر يعدّ حاله ناجحٍ من دوره هو ما درى أن الشعر مظلومٍ به؟ وإنه شر وصحبته محظورة يا من ظلمت الشعر خاف من الله خله يعيش وحالته مستورة يا الربع كلمة شعر تبغى شاعر مثل السديري يوم غاص بحوره وابن ربيعة والخلاوي راشد وإلا عبيد العلي يوم عصوره ومثل القضاة ومحسن الهزاني وابن شريم اليا رفع باكوره وابن حميد وشالح القحطاني ولاهي عن أهل المعرفة مقصورة ولاني مجامل مع هذا والثاني اعدّ شعار النبط و بحوره واللي ما هو قنعان ينشد عني يزورني للبحث وإلا أزوره وعند اللقاء كلٍ يجرب حظه ولاني وكيل آدم على مذخوره ناصر الحميضي