يقول الفنان آندي ورهول "يقولون إن الزمن يغير الأشياء، لكن في الحقيقة يجب أن تغير الأشياء بنفسك". يبدو أن الفنانة الرائدة منيرة موصلي طبقت ذلك على نفسها وفنها، درست الفن وأخلصت له وعاشت له وبه طوال حياتها، في زمن لم يكن وجود فنانة سعودية أمراً شائعاً أو مألوفاً. لا أعرف عنها الكثير، لكنني أعرف أن طلتها مبهجة للنفس، روحها تصل إليك من خلال أعمالها، رأيتها مرة أو مرتين فقط وتركت لدي هذا الانطباع، والآن، بعد رحيلها أقرأ عنها وعن فنها ويتأكد لي هذا الانطباع. أن توجد فنانة تشكيلية سعودية، أعمالها غاية في الإبداع وفي التمكن وفي البحث عن الجديد وفي تأكيد الهوية منذ سبعينات القرن الماضي مسألة ملهمة لكل فنانة على هذه الأرض، الريادة معناها أن تعطي الأمل للأخريات، ووجود منيرة موصلي كان ملهماً ومعبداً للطريق لكثير من الفنانات اللاتي أتين بعدها. "أنتمي إلى كل الحضارات، وكل الأجناس وكل الفنون وكل الأزمان، أقرؤها يومياً، كلما شعرت بالوحدة وانعدام الرؤية، أعيش في غربة دائمة وأنا في بحث مستمر لا يهدأ، اللوحة عالمي، بها أرى الحياة، بينما الحرية هي مساحتها، مولعة بما وراء الثرى وما تحت المسام، تفاصيلها علامات استفهام نائمة، لا تشبع، خلقت بها، وسوف أموت بها أيضاً". هذه الكلمات التي عبرت بها منيرة عن نفسها وفنها في معرضها الذي أقامته في العام 2016 والذي ضم أعمالاً من جميع مراحل حياتها هي أكمل وأجمل تعبير يمكن أن يدخلنا إلى عالم فنها وعالمها، تشعر حين تسمعها أنها فنانة متكاملة، تعرف ماذا تريد من الفن وماذا قدمت للفن. حين تشاهد أعمال منيرة موصلي، تشعر بكم الدهشة الذي أثارها لتصنع لوحاتها، تشعر بالطفولة والرقة والجمال. هذه الروح الصاخبة التي تمتعت بها منيرة كانت تحثها دوماً على التجريب واستخدام خامات مختلفة لتبدع فناً خاصاً بها، يجمع بين الماضي وموروثاته وبين رؤيتها المعاصرة للحياة وتقديمها بصورة جديدة وجميلة، صورة تؤكد على حضارة الإنسان وعلى قدرته على الاستمرار في تطوير الفن، العبث معه وبه بروح الفنان الأصيل. حين تتأمل لوحاتها، العناوين التي كانت تطلقها على معارضها، استلهامها لأعمال الواسطي وتحيتها لجلال الدين الرومي، تدرك أنك أمام فنانة تشكيلية مثقفة حتى النخاع، تملك فلسفتها الخاصة، مدركة لما يحدث حولها، فنها عميق وكاشف ويعلن عن رأيه فيما يحدث بطريقته وبأسلوب متميز. وداعاً منيرة موصلي. كنتِ منارة وستظلين كذلك.