لم يكن مستغرباً ولا مستبعداً أن يلتفت وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود لمسيرة وسيرة التشكيلية الراحلة منيرة موصلي ويكرّم تاريخها وعطاءها بإطلاق اسمها على إحدى دور العرض التشكيلي في المملكة عرفاناً ووفاءً لمنجز ووطنية فنانة وقفت حياتها على الفن ولم تنشغل بسواه بل آثرت التقاعد المبكر لتتفرغ لإبداعها النوعي والمائز في ذاكرة ووجدان الذائقة التشكيلية. موصلي مثقفة قبل أن تكون تشكيلية، اطلعت على تجربة الفيلسوف والمصور يحيى بن محمود الواسطي البغدادي فاجتمعت معه على المنمنمات، عبر ملامح التصوير الإسلامي الذي تميزت به مدرسة بغداد التي غلبت عليها الرسوم الآدمية بما فيها من حياة وقوة مع التلخيص في تفاصيل أجزاء الجسم وإهمال التشريح والتغاضي عن الاهتمام بالنِسَب بين الأعضاء. ما كان له تأثير على تجربتها تمثل في استحضار تجريب (الواسطي) لتأسيس تواصل الحضارات، عبر استلهام المعاصر للأصيل واستيحاء الغرب للشرق. أطلقت موصلي عدداً من المبادرات والفعاليات الثقافية وجعلت من منزلها في مملكة البحرين صالوناً ثقافياً، وأسست مهرجان الفن في مدينة الخبر عام 2007، وكتبت وألقت ونشرت العديد من الدراسات الفنية التي جعلت من قضايا المرأة منطلقاً لها، وأسهمت في توعية أجيال بدورهم الوطني عبر المشروع الثقافي والحضاري. شاركت الراحلة مع كبار الفنانين التشكيليين منهم يوسف أحمد، وأحمد البحراني في معارض كبرى في الخليج والشرق الأوسط، وعدّها نقاد رائدة من رائدات الفن التشكيلي في المملكة، كونها عززت تنمية الحركة التشكيلية الفنية، خصوصاً بين النساء، إذ نفذت عشرات المعارض داخل المملكة وخارجها، وكان أولها معرضها المشترك مع زميلتها الفنانة صفية بن زقر الذي أقيم في مدرسة التربية الحديثة عام 1968، ومن ثم معرضها الخاص الأول عام 1972 في مدينة جدة. وسبقت إلى طرح مفهوم التصوير الإسلامي الذي يرافق المخطوطات وضمّنته مجموعة من أعمالها الفنية التي أطلقت عليها «الواسطي وأنا». وحصدت عشرات الجوائز خلال مسيرتها في وطنها والبحرين ودبي وعدد من العواصم العربية. ووصفت بالظاهرة الفنية والإنسانية، التي سبقت زمنها. وكانت تحضر قبل وفاتها لمعرض في المدينةالمنورة. وثمن مثقفون مبادرة وزارة الثقافة بتكريم موصلي، إذ يرى الشاعر محمد الدميني أن منيرة موصلي الفنانة والصديقة فنانة مبتكرة خاضت الفن عبر نصف قرن وعاشت ويلاته الأولى وانتصاراته الشحيحة، وعدّها إنسانة مقاومة وصانعة ملهمة أسهمت في اكتشاف ودعم عدد من فنانات تشكيليات وخلقت بيئة فنية وضعت حياتها اليومية على المحك، مشيراً إلى أنها عاشت بلا مخاوف ولا حسابات ولم تنل منها الأعراف والحدود الاجتماعية المسيطرة التي قتلت وألغت مواهب في الأدب والفن لا تحصى، مؤكداً أنها لم تضعف أمام أية هيمنة تصادر حريتها وقولها ومغامراتها، مضيفاً: إنها احتفظت بعلاقات إنسانية حتى مع من اختلف معها، ما يعني أنها نموذج المرأة السعودية المقاومة التي لن تمحو السنوات ذكرياتها.