في ضوء المتغيرات والتحولات التي تشهدها المنطقة على وجه الخصوص في سورية والعراق وغيرهما التي تتحكم فيها أطراف عديدة وسعياً وراء استقرار المنطقة، نجد أن السياسة تتغير طبقاً لما تفرضه ظروف الواقع، ولذلك نجد أن المواقف السياسية تتبدل طبقاً للواقع المستجد، وهذا يعني أن السياسة عبارة عن إدارة وفن يتم من خلالها تحقيق الممكن، فالسياسي المحنك يقوم بممارسة دوره ونظره على حقائق متغيرة على أرض الواقع لكل منها متطلباته وظروفه، ولهذا تجده يتعامل مع كل منها من خلال الحلول الوسط عبر منطق الواقع المعايش وليس المفترض من خلال العناد تحقيقاً لمواقف سابقة لأن الأخير يجعل السياسي مغامراً، وهذا يؤدي في الغالب إلى كارثة لا تحمد عقباها. وهذا هو الفرق بين أن يتعامل السياسي بمرونة مع متطلبات الواقع وظروفه والعمل على حلحلتها من خلال ترك مساحة للممكن يمارس فيها الحوار والمد والجزر والمعايشة والتعديل والتبديل للوصول إلى حلول وسط طبقاً للمثل القائل "لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم". وهذا بالطبع يفرض ديناميكية التعامل بروح التلاؤم لا روح التخاصم، وهذا هو المفتاح الرئيس للوصول إلى الهدف بالأساليب المرنة، وهذا في الغالب يؤدي إلى الالتقاء في منتصف الطريق مع الطرف الآخر ما لم يكن أحمق كنظام الحمدين، ومجمل ذلك ينعكس على التعايش مع الآخر بواقعية يكون مردودها الحتمي إيجابياً على كل الأطراف، وهذا الأسلوب تكون نتيجته تحقيق المصلحة الوطنية التي من أهم نتائجها تحقيق السلم والأمن الإقليمي لكافة الأطراف. وهذا كله يحتاج إلى التمتع بطول النفس والتحمل وبعد النظر، وقبل ذلك وبعده العمل على تحقيق الممكن من خلال الإمساك بشعرة معاوية. وهذا والحمد لله ديدن قيادتنا الرشيدة التي تبحر بسفينتنا بمهارة وتوازن وحزم وعزم منقطع النظير، والدليل على ذلك تمكن دولتنا من حل عدد كبير من الصعوبات والانتصار على الاستهدافات والمؤامرات التي تحاك ضدها والخروج منها منتصرة، أما الأعداء والمتآمرون فذهبوا إلى مزبلة التاريخ وسوف يتبعهم من يحذون حذوهم. أما ممارسة التعامل مع الأحداث من خلال سياسة المقامرة والمغامرة فإنه يخلق باباً واسعاً لكل من الخصوم والأعداء والمحرضين والشامتين والحساد لتكوين عدة جبهات مواجهة تجمعهم على الرغم من اختلاف انتماءاتهم وعقائدهم ومصالحهم. كما أن ممارسة هذا الأسلوب في العمل السياسي والإداري يصنفها القاموس السياسي على أنها دكتاتورية سواءً كانت بصورة جمعية أو فردية، ولعل من الأمثلة التي مورست فيها تلك السياسة في العصر الحديث ما قام به كل من هتلر الذي كان السبب في الحرب العالمية الثانية وما قام به صدام حسين الذي كان عناده السبب الأول لدمار العراق من خلال الدخول في حرب الخليج الأولى ثم احتلال الكويت مما تسبب في حصار العراق وبالتالي احتلاله وما نتج عنه من دولة فاشلة وحروب طائفية، وهذه الأيام يقوم بشار الأسد بنفس الدور حيث دمر سورية وقتل وشرد أهلها، ناهيك عن جلب المحتل الأجنبي إلى بلاده وغيرهم ممن جلبوا الكوارث على أوطانهم بسبب غياب حس السياسي المحنك الذي يمارس حراكه طبقاً لمتطلبات الواقع وظروفه دون تشنج وتفريط بالثوابت ودون الاخلال باستقلال الوطن وأمنه واستقراره..