السياسة ليست فن الممكن فحسب، كما يدعي البعض ليبرر انهزاميته وانبطاحه. هذه المقولة رغم شهرتها وشيوعها، لا تفي بالغرض ولا تعكس إلا نصف الحقيقة فقط. السياسة هي فن استخدام الممكن لتحقيق المستحيل.. أو لتحقيق ما يبدو أنه مستحيل، على الأقل في المدى المنظور. كل العظماء الذين مارسوا السياسة واشتغلوا بها كانوا يحاولون تطبيق هذا المفهوم على الأرض. العمل السياسي بالنسبة لهؤلاء كان جزءا من العمل الوطني، وليس جزءا من الصراع للوصول إلى السلطة، أو جزءا من لعبة الحفاظ عليها. أصحاب الرؤى والمشاريع الوطنية يتعاملون مع الواقع ( الممكن ) ولكنهم لا يخضعون لإملاءاته بقدر ما يعملون على تغييره وقلبه إلى النقيض ( المستحيل ). وهذا هو التجسيد العملي لمفهوم العمل السياسي الذي سقته في البدايات: السياسة هي فن استخدام الممكن لتحقيق المستحيل. لو اكتفى كل الزعماء التاريخيين والقادة الوطنيين والمناضلين، بالتفكير في الممكن لما تمكن أي شعب من طرد الاستعمار، ولما تمكنت أية أمة من تحقيق نهضة عظيمة تستحق أن توصف بكلمة معجزة. ولو خضع كل من يشتغل بالسياسة لمنطق الممكن وحصر نفسه في معطياته وحدها، لما تغيرت خارطة العالم السياسية والاقتصادية، ولما طرأت كل هذه المتغيرات على موازين القوة الدولية. العمل السياسي في بعده الوطني، يجب أن ينطلق من طموحات ورؤى تتجاوز الممكن وتستشرف ما يبدو أنه مستحيل.. فيما عدا ذلك يتحول العمل السياسي إلى لعبة الغرض منها تحقيق المنافع لتيار أو طبقة أو أيديولوجيا بعينها على حساب المكونات الأخرى للوطن. الصحيح هو أن تتعامل السياسة مع الممكن باعتباره نقطة انطلاق، لا محطة وصول. [email protected]