كانت المملكة -وما زالت- المحضن الأوّل والأهم عالمياً لثقافة التسامح، ونبذ التشدد والتطرّف والإقصاء؛ وقد رسّخت هذه القيمة من خلال نهجها الوسطي الرزين الرصين الذي لا يغلو ولا يَشِطّ أو يتطرّف أو ينبذ الآخر المُختلِف، فكانت مملكتنا واحة سلام وداعية للتقارب والوئام والتوادّ والتراحم بين الشعوب والانفتاح على الديانات والثقافات الأخرى دون الإخلال أو التفريط بالجانب الهويّاتي أو العقدي أو الخصوصية التي تسم هويّتها وإرثها الحضاري. ولعل من اللافت الإشارة إلى عنوان معرض جدة الدولي للكتاب في نسخته الرابعة الذي جاء تحت عنوان «الكتاب تسامح وسلام»، فهذه التسمية تعكس ما للتسامح من قيمة اعتبارية وثقافية تسعى بلادنا لترسيخها، وهو ربط مُوفّق بين الكتاب كوعاء معرفي قادر على صوغ الثقافات والقيم والمنظومات الفكرية وبين التسامح كمُنظِّم للتواصل الإنساني والعلائق بين الشعوب والأفراد. والمتتبع لفعاليات المعرض يلحظ إيلاء المنظّمين على أن يكون التسامح حاضراً في المناشط الفكرية والثقافية سيما وأنّه حظي بمشاركة 400 دار نشر من 40 دولة خليجية وعربية وإسلامية وعالمية مستقطباً أعداداً كبيرة من المواطنين أو الإخوة العرب أو زائريه الأجانب من مختلف الدول شهدوا أكثر من 50 فعالية ثقافية واجتماعية وترفيهية وحوى المعرض 180 ألف عنوان في شتى أوعية المعرفة بهدف ربط الجميع بالثقافة والقراءة وتنمية الحس نحو الاطلاع في مختلف نواحي المعرفة يرفده اهتمام لافت بصناعة الثقافة وتنمية روح الانتماء إلى الكتاب فضلاً عن تعزيز مكانة المملكة كحاضنة للثقافة والمعرفة وناشرة لقيم التحضّر عبر استثمار ما تملكه بلادنا في شتى مناطقها من مقومات جغرافية ومخزون ثقافي وإرث حضاري. يبقى القول: إنّ التسامح قيمة إنسانية ذات طابع عالمي، ويمثل انتشاره حاجة ملحّة ومفصلية للمجتمعات سيما تلك الغارقة في الاقتتال والحروب وتعجُّ بالفوضى والدمار وغياب الأمن والكرامة المجتمعية والرخاء، وغنيّ عن القول: إنّ المملكة بما تمثّله من ثقل دولي وجيوسياسي إنْ على المستوى الإقليمي أو الدولي تسعى -كما هو دأبها- بجهودها المخلصة إلى إشاعة قيم التسامح وتعزيز وجوده كمفهوم وقيمة حضارية تُعدّ الحصانة الأهم والأكبر لصون الدول والشعوب وحقن الدماء وإشاعة الحب والخير والسلام والصفاء ويخدمنا كشعوب تعيش في قرية كونية واحدة.