من خلال احتكاكي بعديد من الزملاء والصحافيين الآسيويين بحكم إقامتي في ماليزيا وقربها من إندونيسيا؛ عشرات الأسئلة تردني منهم وجمعيهم يتساءلون: لماذا إندونيسيا ضيف شرف المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية"؟ فأجبتهم قائلا: يكفي أن إندونيسيا صديقة لنا، وأن جذور العلاقة بين البلدين تمتد سبعة عقود. حينما نالت إندونيسيا استقلالها من الاستعمار الهولندي لم تتأخر الرياض في تهنئة إندونيسيا باستقلالها وتخلصها من الهولنديين الغزاة في الوقت الذي كانت فيه الحكومة السعودية تدعم مصر وسورية وفلسطين في حرب 48، حتى عندما زار الزعيم الإندونيسي أحمد سوكارنو الملك الراحل سعود بن عبدالعزيز في قصره عام 1955، ومنذ تلك اللحظة انطلقت العلاقات التجارية والدينية والسياسية، ومع مرور السنوات تأصلت وتعمقت، بدليل الصورة التي التقطتها حفيدة سوكارنو مع الملك سلمان - حفظه الله - في جاكرتا مطلع 2017. تقول لغة الأرقام، إن العلاقة التجارية الممتدة بين الصحراء وجزر الأرخبيل، قد بلغت عام 2013، 25 مليار ريال، وارتفع الرقم في 2014 إلى 30 مليار ريال، بينما بلغ الرقم ذروته في 2017 بمبلغ قياسي لامس 34 مليار ريال، فيما تعتبر أبرز المنتجات المتبادلة الورق والمطاط والزيت والأدوية والبهارات والقهوة والفواكه بجانب النفط. إندونيسيا بلد ضخم، تضم أكثر من 17 ألف جزيرة، وتوجد بها 209 ملايين مسلم، وفي الحج الفائت زار السعودية قرابة 230 ألف أندونيسي ومليون وستمائة معتمر بخلاف العمالة المقيمة في المملكة، التي يبلغ عددها 600 ألف موظف. ولكن السؤال: كيف استفاد الإندونسيون اقتصاديا من السعودية؟ الإجابة ببساطة: انظرو إلى عدد طائرات الجارودا وإلى مكاتب السياحة في جاكرتا. في قلب مهرجان الجنادرية؛ حيث يوجد معرض إندونيسيا، يمكن للزوار من مختلف أنحاء العالم رؤية العناء والشقاء الذي تكبده الإندونيسيون خلال رحلاتهم الوعرة نحو مكة والمدينة، التي تصل إلى 100 يوم عبر السفر سيرا، كما يمكن مشاهدة التلاحم المجتمعي والتنوع الثقافي بين شعوب بالي وجاوة وسومطرة وابندا اتشيه، وقبل خروجك ستجد المنسوجات والملابس والمأكولات والقطع الفنية. إن الموقف التاريخي لخادم الحرمين الشريفين بزيارته الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، ومنحه إندونيسيا شرف المشاركة في الجنادرية، إنما هو امتداد لجهود سلام بغلاف دبلوماسي، يقوده ولي العهد الأمير محمد سلمان لحماية المصالح المشتركة، بعد أن اتضحت مطامع تركيا وإيران وقطر بالتغلغل في أوساط جنوب شرقي آسيا التي ربما نختلف معها في بضع مسائل.