في الوقت الذي تستمر فيه أوساط الصناعة النفطية الغربية بصناعة المتناقضات جهلاً أو علماً، لا سيمّا تغييب أو انتقاص الأدوار المبذولة لجهود منظمة الأوبك في إدارة الأسواق النفطية، يمثّل اليوم الأحد سادس أيام سريان اتفاق الخفض النفطي الذي تم إقراره في السابع من ديسمبر 2018م ، بواقع 1.2 مليون برميل يومياً موزّعة على منتجي النفط من خارج وداخل منظمة الأوبك، حيث لا تزال الأوساط النفطية الغربية تروّج إلى وقتٍ قريب - ديسمبر الماضي - وبشكلٍ مستمر لذلك المفهوم الذي يصف اتفاق الخفض النفطي الذي قادته الأوبك مؤخراً ب "المخيّب للآمال"، موضحّةً أنه كان بالإمكان زيادة حجم الخفض الذي تمّ إبرامه؛ معللّةً ذلك بعدم وجود نتائج على أسواق النفط عقب الاتفاق مباشرة، وغيرَ بعيدٍ من ذلك ركبت الأوساط الغربية موجة التفاؤل - في اتجاه عكسي لمواقفها السابقة - التي انطلقت بداية يناير الجاري مفادها أن الأسواق النفطية على موعد مع حالات الاتزّان أو القرب منها خلال الربع الأول من العام الجاري 2019م أو بنهايته، لذلك فحالات التناقض المتكررة التي تعيشها الأوساط النفطية الغربية قد جردّتها تماماً من المصداقية مما انعكس على الاهتمام بما لديها؛ لضيق الأفق الذي ترى منه الأسواق، والتركيز على نقطة واحدة بالمقام الأول، وهي الضخّ المتواصل إعلامياً لتحجيم دور منظمة الأوبك وتهميشه إن لزم الأمر، إلا أن الدور القيادي الذي تقوم به الأوبك في أسواق النفط لا يمكن بأي حال تجاوزه أو إغفاله فالحقيقة لا تحجب بغربال، وبتسليط الضوء على ماهيّة التوجه الإعلام الغربي في القطاع النفطي تتضّح العديد من النقاط منها من أخطأت الطريق، ففي ال 18 من إبريل 2081م زعم أندرو كريتشلو في الديلي تلغراف البريطانية أن المملكة تسعى لرفع أسعار النفط من أجل تغطية الإصلاحات الاقتصادية فيها، إلا أن الغريب في الأمر هو عدم اطّلاع كريتشلو على ميزانيات المملكة التي يتم اعتمادها سنوياً والمستويات السعرية للنفط التي يتم اعتمادها لهذه الميزانيات، فالمملكة غالباً ما تبني ميزانياتها على مستويات سعرية متدنية، فالمستوى السعري لأسعار النفط الذي تم اعتماده في ميزانية المملكة في العام 2019م ويقاس على ذلك الأعوام السابقة تحت مستوى ال 70 دولاراً تقريباً، وهو الأمر الذي يفنّد جميع المزاعم التي يقوم بترويجها الإعلام النفطي الغربي الذي لا يضمّن غالباً الكثير من العوامل الأخرى المؤثرة في أسواق النفط تحليلاته، وإنما التركيز على حركات وسكنات منظمة الأوبك. معطيات الإعلام الغربي يُبنى غالباً على نظريات المؤامرة في أسواق النفط، ورمي التهم جزافاً؛ وذلك لبقاء قراءته للأسواق غالباً في ذلك الحيّز الحرج ما بين الاقتصاد والسياسة، وعدم مرونته غالباً في التعاطي مع تلك العوامل، فمنتجو النفط في الأوبك بقيادة المملكة العربية السعودية غلبّت دوماً مبدأ الموازنة في المصالح الاقتصادية كذلك الحفاظ على صحّة الاقتصاد العالمي. وما أشبه اليوم بالأمس، ففي بداية الربع الأول من العام الماضي 2018م سادت أجواء التفاؤل أسواق النفط نتيجة أسعار النفط التي تحسنّت وتجاوزت صعوداً مستويات ال 60 دولاراً لخام الإشارة برنت وذلك في ظل السعي الحثيث من قبل الأوبك لإعادة الأسواق نحو التوازن وتقليص حجم الفوائض النفطية حينذاك، حيث نجحت في خفض الفوائض النفطية وسحب 270 مليون برميل من فائض الأسواق خلال عام واحد فقط ما بين يناير 2017م والشهر ذاته من العام 2018م بنسبة تراجع بلغت 79 % ويعدّ ذلك تتويجاً لجهود المنظمة التي استمرت لقرابة ال 15 شهراً، مما كان الأثر الكبير في موازنة الأسواق، ودفع الكثير من المحللين حينذاك إلى القول بتوجّه الأسعار نحو موجة من الصعود لمحدودية العرض الموجود بالأسواق، كما شهد العام الماضي 2018م الكثير من الجهود المبذولة من قبل منظمة الأوبك ففي نهاية الربع الثاني من 2018م وتحديداً الرابع والعشرين من يونيو عقدت المنظمة اجتماعاً في العاصمة النمساوية فيينا تمخّض عن قرارٍ برفع الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً يتم العمل اعتباراً من بداية يوليو للعام نفسه، كما عقدت اللجنة الوزارية للمنظمة بمشاركة المنتجين المستقلين اجتماعاً في الجزائر نهاية الربع الثالث في 22 سبتمبر 2018م وسط أجواء مريحة في الأسواق النفطية، وخرجت اللجنة حينذاك بقرار الاستمرار في الالتزام باتفاق خفض الإنتاج بنسبة 100 %، كما ختمت منظمة الأوبك العام 2018م من فيينا باجتماع وزاري في السابع من ديسمبر تمخض عن قرار بخفض الإنتاج النفطي 1.2 مليون برميل يومياً، كان نصيب الدول الأعضاء منه 0.8 مليون برميل يومياً ونصيب المنتجين المستقلين 0.4 مليون برميل يومياً، وذلك لمدة ستة أشهر أولية اعتباراً من يناير الجاري وينتهي في بنهاية يونيو المقبل، كما أن دور المنظمة كان تفاعلياً وليس محصوراً على الاجتماعات الدورية للجنة الوزارية فعقبَ قرار المنظمة بالخفض الأخير - الذي لم يدخل حيّز التنفيذ - ب 13 يوماً زادت حدّة الضغوط على أسواق النفط ومؤشرات الأسعار التي تراجعت لأدنى مستوياتها عند 50 دولاراً لخام الإشارة برنت في ال 26 من ديسمبر الماضي، نتيجة الكثير من العوامل في مقدمتها الفوائض النفطية التي بدأت مرحلة البناء منتصف الربع الأخير من العام 2018م، مما دفع الأمين العام لمنظمة الأوبك محمد باركيندو في بادرة تفاعلية لاستمرار وتيرة التراجع في أسعار النفط إن المنظمة تعتزم تعديل حصص الخفض ونشر نسب جديدة معدّلة بحيث تكون الدول الأعضاء ملزمة بنسبة 3.02 % تعديلاً من 2.5 % المقررة سابقاً؛ لاحتواء استمرارية إنتاج الدول المعفاة من اتفاق الخفض النفطي (ليبيا - إيران - فنزويلا) وكل ما سبق يدلّ على حجم الجهود المبذولة من قبل منظمة الأوبك في إدارة الأسواق النفطية بقيادة المملكة العربية السعودية التي تستهدف بقاء أسواق النفط ضمن نطاقات آمنة والأسعار في مستويات مجدية لكلٍ من المنتجين والمستهلكين على حدٍ سواء. وبالتزامن مع حالات التفاؤل التي بدأت بوادرها تظهر في الأسواق مع انطلاقة الشهر الحالي أصبحت أسعار النفط في مأمن من أية انزلاقات تراجعية مفاجئة، وإيجاد مناعة حقيقية لأسعار النفط ضد العوامل التي لا تعبّر عن أساسيات الأسواق النفطية، فمنذ الأول من يناير الجاري طغت حالة من الاستقرار على مؤشر الأسعار ترافقها حال صعود تدريجية قد تكون بطيئة إلا أنها تنمّ عن مؤشرات يمكن وصفها بالمستقرّة على وجه العموم، فمنذ الأول من يناير الجاري حظيت مؤشرات الأسعار النفطية بالثقة من قبل المراقبين والمهتمين بالصناعة النفطية، حيث تحررت من مستوى ال 54 دولاراً لخام الإشارة برنت في اتجّاه تصاعدي ينمّ عن بدء التأثير المتنامي لاتفاق الخفض النفطي الذي بدأ العمل به بداية العام الجاري، وبذلك تشير مستويات التماسك والصعود لأسعار النفط عن اتجّاه صعودي للمؤشرات خلال الأيام المقبلة ولربما لامست مستويات ال 70 دولاراً لخام الإشارة برنت بمنتصف الربع الأول الجاري من 2019م، كما أن معظم توقعات الصناعة النفطية تشير إلى أن التصحيح والاتزان سيكون خلال هذا الربع من العام، وذلك عقب موجة من التراجعات شهدتها الأسواق خلال الربع الأخير من العام الماضي. أثبتت منظمة الأوبك نجاحاتها وقدرتها في إدارة أسواق النفط