تأخذنا الحياة السريعة بعيداً عن التأمل فيما يحدث لنا وما حولنا من خلقة الله البديعة، والقليل منا من يقف مندهشاً مما نراه يومياً من مواقف أبطالها من البشر أو النمل أو الطيور أو مظاهر الكون، رغم أن عالمنا زاخر بالأحداث اليومية التي يمكن أن نقف عندها بدهشة لنرى قدرة الله عز وجل وتدبيره العجيب في خلقه. التأمل سمة من سمات الحكماء، وهو إكسير العباقرة والمفكرين والمثقفين، وفيه راحة للعقل وسكينة للقلب، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقضي وقتاً طويلاً في التأمل كما تقول سيرته، وكان يحب الخلوة ويذهب إلى الجبال ويراقب الصحراء، ولكن بالنسبة لنا فإن هذا التأمل أصبح اليوم مهدداً بالانقراض بسبب صعوبات الحياة والإيقاع السريع الذي أصبحنا متماشين معه بانتظام حتى لو تعثرنا فإننا نقف ونلحق به، رغم أن التأمل له فوائد عديدة على صحة الإنسان ومزاجه مثل تخفيف التوتر وتعديل المزاج، بحسب دراسات عديدة منشورة على الإنترنت. عادة ما نشعر بالسعادة إذا كانت الأمور تجري بشكل صحيح، وعندما تسوء هذه الأمور نشعر بالحزن والغضب؛ ولكن من خلال ممارسة التأمل فيما جرى وما حولنا، فإننا نصبح قادرين على إحداث توازن والسيطرة على دواخلنا ومشاعرنا، أنا شخصياً يدهشني اختلاف طبائع البشر وتعايش الناس واتصالهم مع بعضهم، ويدهشني نزول المطر، هناك الكثير من الأشياء التي تحتاج إلى تفسير وتدعوك للتساؤل: "كيف يحدث هذا"؟. وتحدث الكاتب المعروف هاشم صالح في مقالة له في مطلع العام 2018 في صحيفة الشرق الأوسط عن الفيلسوف والمفكر جان جاك روسو، ذلك الذي اشتهر بعادة المشي وحب النزهات والجولات، وكان يمشي كثيراً ولمسافات طويلة مبتهجاً بالطبيعة الغناء التي حوله هنا وهناك، وقد قضى جل حياته ماشياً بلا سبب ولا هدف سوى التأمل والتفكر في أحضان الطبيعة، ويتساءل الكاتب: "هل هناك أجمل من تلك المنطقة الساحرة الواقعة بين سويسرا وفرنسا؟" وكثيراً ما كان المفكر جان جاك روسو يتوقف أمام منظر طبيعي خارق، ويتأمل ببديع صنع الخالق، وأحياناً كان ينام في البرية متوسداً الأرض، ويحكى أنه عندما تهيأ لكتابة رد على سؤال الأكاديمية عن سبب اللامساواة بين البشر أخذ صاحبته وأمها معه إلى منطقة الغابات خارج باريس في منطقة "السان جرمان أن لي" من أجل التأمل والتفكير بعيداً عن ضجيج العاصمة وصخب الناس. ولم ينس أن يضع في جيبه قلم رصاص وورقة بيضاء لكي يسجل انطباعاته وأفكاره مباشرة قبل أن تفلت منه وتتبخر في الهواء. الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري تمارس التأمل يومياً لمدة 20 دقيقة، وتقول: "أريد فقط أن أصنع نقطة ارتكاز لي وأمارسها يومياً لأنني حينها أكون أفضل"، وهناك عدد كبير من الشخصيات الأبرز نجاحاً يمارسون عادة التأمل.