عند بداية مشاركتي في حقل التدريس الجامعي (1979)، جوبهت بنصوص ثابتة حددت: توقعات الطالب من نفسه ومن معلمه، وتوقعات المعلم من نفسه ومن طالب العلم، وتوقعات المؤسسة العلمية من كليهما. باختصار، كانت تلك النصوص تتعامل مع عملية التعليم من منظور واحد: المعلومات تنتقل من المعلم بشكل أو آخر إلى الطالب، ثم إلى ورقة الاختبار.. ثم إلى أين؟ لا يهم! المهم أن يتخرج الطالب بشهادة جامعية وإن خالية من الكفاءة. وانطلاقاً من هذه الرؤية لعملية التعليم تشكلت التوقعات السائدة في منظومة التعليم، باعتبار المعلم هو ملقن المقرر، والطالب هو المتلقي، وورقة الاختبار هي النهاية. والأخطر من ذلك، هو القناعة العامة السائدة آنذاك بأن المرحلة تحتاج إلى أعداد من الخريجين والخريجات وليس إلى كفاءات. فكان التوجه للتركيز على الكم دون الكيف؛ التركيز على أعداد حاملي الشهادات وليس على قيمة هذه المؤهلات الورقية. وهنا تجلى الجهل الأعظم بمتطلبات المرحلة لبناء وتأهيل كوادر بشرية تشارك في عملية التنمية، وتجلت عرقلة مسيرته التنموية. مع وجود استثناءات قاومت هذا التوجه؛ لإدراكها عمق المسؤولية، وأهمية دور التعليم في بناء هذا الوطن وإنسان هذا الوطن. ولكن هناك أعداداً لا بأس بها من النساء والرجال في مهنة التعليم، كم تمنيت أن يبحثوا لهم عن عمل آخر غير التعليم يسترزقون منه! ولا مفر من حتمية إعادة تأهيل المواطن وتأهيل الوطن لمستقبل مختلف؛ انطلاقاً من التعليم كالمحطة الأكثر محورية والأهم. بدءاً بإعادة تشكيل رؤيتنا لثنائية دور الطالب والمعلم لتحريرها من متلازمة التلقين والترديد الببغائي. يتبعها إعادة تقييم رؤية المنظومة التعليمية والمجتمعية للشهادة الأكاديمية. إن وضع الطالبة الجامعية بشكل عام عكس خللاً ما في عملية التنشئة الاجتماعية التي مرت بها في أسرتها، وعكس قصوراً واضحاً في مراحل التعليم التي مرت بها، وعكس تقصيراً من المسؤولين والمسؤولات في عدم استدراكهم السريع للسلبيات التي بدأت تفرزها تجربة التعليم في وطننا وهي بعد في مراحلها المبكرة. وكما قيل: «إنّ التعليم لا يكمن في تعبئة الدلو، وإنما في إشعال النيران». (يتبع)