لا يوجد ما ينتظره المراقبون لتقييم أداء الحكومات المالي كما ينتظرون إعلان الميزانية، والسعودية ليست حالة استثنائية فقد مرت الميزانية السعودية بتغيرات كبيرة ومنحنى تصاعدي مستمر تضاعفت فيه 79 مرة خلال ال 88 عاما الماضية بشكل يعكس التغيرات الاقتصادية في السعودية الحديثة وقد زاد الاهتمام بالميزانية بعد إطلاق الرؤية لتقييم التجربة ومعرفة إلى أين تتجه البلاد. أعلنت أول ميزانية مالية سعودية قبل توحيد المملكة العربية السعودية بسنتين في العام 1352 ه الموافق 1930م في زمن أول وزير مالية الأستاذ عبدالله بن سليمان بقيمة 14 مليون ريال سعودي، وهو نفس العام الذي عين فيه الملك فيصل كأول وزير خارجية، ومنذ أن بدأ تصدير النفط السعودي بشكل تجاري في العام 1939م أصبح البترول الممول الأول وأعلنت أول ميزانية في ظل النفط بإيرادات تقدر ب 13 مليون جنية استرليني، ومن هنا بدأت قصة إدمان النفط حيث اعتمدت الدولة على هذا المورد المهم كمورد أساسي وكان لعوائد البترول الفضل في تمويل مشروعات تنموية ضخمة بدأت منذ عصر المؤسس. ولم تكن بنود نفقات الميزانية في تلك الفترة معقدة حيث شملت رواتب موظفي الدولة، متطلبات النفقات وقطع غيار وإطارات السيارات الخاصة بالحكومة والقصر الملكي، النفقات الإدارية ومصاريف الدفاع فقط. تضاعفت الميزانية السعودية منذ أول إعلان لها عام 1930م 79 مرة حتى وصلت إلى الميزانية الحالية 1.106 تريليون ريال سعودي لأول مرة بفضل جهد دؤوب خلال الأربع أعوام الماضية من حكم الملك سلمان والتي شهدت إعلان أول خطة استراتيجية متكاملة للتنمية تحت مسمى (رؤية السعودية 2030) وتميزت بمعايير أداء محترفة وجديدة على الفكر الإداري السعودي بخطط مكتوبة ومعلنة لمرتكزات وبرامج ومشروعات بمستهدفات ومؤشرات أداء وإطار زمني وهو ما تمثل خطوة مهمة في طريق التنمية المستدامة وبناء اقتصاد متكامل بعيد عن الريعية. وقد أظهرت الميزانية مؤشرات النجاح مبكراً فللسنة الثالثة على التوالي تتحدى السعودية تذبذب أسعار النقط وانخفاضها بتقديرات إنفاق مالي عالية ومتصاعدة وميزانيات توسعية وإنفاق تشغيلي ورأس مالي مرتفع مستبدلة مفهوم الاستهلاك بالاستثمار وتكلل ذلك بارتفاع الإيرادات غير النفطية والتي تمثل ثلث إيرادات الميزانية وكذلك ارتفاع النفقات إلى ما يزيد على تريليون فيما يخطط إلى إيصال الإيرادات إلى تريليون في العام 2021م بإذن الله.