أكدت أحاديث الوقف، عظم شأن صلة الأرحام والإحسان إليهم، ومن ذلك ما روته عَائِشَة رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ «جَعَلَ سَبْعَ حِيطَانٍ لَهُ بِالْمَدِينَةِ صَدَقَةً عَلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ» فخص بها أقاربه. كما تكرر ذكر ذوي القربى في وقفيات الصحابة رضي الله عنهم، كما في حديث وقف عمر رضي الله عنه؛ حيث ذكر القربى في مصارف وقفه، قال ابن عمر رضي الله عنهما: « فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ، فَصَدَقَتُهُ تِلْكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالمَسَاكِينِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي القُرْبَى». إن لصلة الرحم آثارا تربوية كبيرة، منها أنها سبب موصل لبر الوالدين؛ حيث إن هذه الرحم لم تكن إلا بسبب الوالدين، لذا جاء في الحديث عن أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه قال: بينا نحن جلوسٌ عند رسولِ اللهِ (إذ جاء رجلٌ من بني سلمةَ فقال: يا رسولَ اللهِ، هل بَقِي من بِرِّ أبوَيَّ شيءٌ أبرُّهما به بعد موتِهما؟ قال: «نعم، الصَّلاةُ عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهما من بعدِهما، وصلةُ الرَّحِمِ الَّتي لا تُوصَلُ إلَّا بهما، وإكرامُ صديقِهما». إنها تربي المسلم على الإحسان إلى القرابات، والتودد لهم، والتغاضي عن أخطائهم والصفح عنهم، وجاء في الحديث ما يبين أن الواصل للرحم هو من تغلّب على حظوظ نفسه، وأحسن إلى أقاربه وإن كانوا يسيئون إليه. إن الناس في صلة الرحم على ثلاث درجات: واصل ومكافئ وقاطع، فالواصل من يعطي ويتفضل ولا يُتفضل عليه، والمكافئ الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ، والقاطع الذي يأخذ ولا يعطي، ويُتفضل عليه ولا يتفضل. إنها تربي في الناشئة قيما أخرى مثل: الإحسان والتواضع ولين الجانب واللطف والتودد للقرابات، وجاء التعبير النبوي اللطيف في مثل هذا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لما نزلت هذه الآية (وأنذر عشيرتك الأقربين). إن الإحسان إليهم بالصدقة فيه أجر مضاعف، ومن لطائف الآثار التربوية لصلة الرحم ما جاء من حثّ الرسول الكريم (على الإحسان إلى القريب الذي يضمر البغض أو العداوة، لعل ذلك يكون سبباً في تطييب خاطره، وإزالة ما به من بغضاء وكره، فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي «عن الصدقات أيها أفضل؟ فقال: على ذي الرحم الكاشح». وفق الله الجميع لرضاه.