عقدت أمس ضمن البرنامج الثقافي المصاحب للمهرجان الوطني للتراث والثقافة الجنادرية 33 ندوة بعنوان «الهوية الوطنية في زمن التجاذب والتحولات الفكرية»، وذلك بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق انتركونتيننتال بالرياض. وفي حديثه خلال الندوة تطرق د. عايد المناع -أكاديمي وباحث سياسي- إلى أهمية أراضي البلد وضرورة تماسك مكوناتها الاجتماعية وعدم السماح أو التساهل تجاه زعزعة أمنها واستقرارها، قائلا:»عندما يتحول المواطن من مجرد إنسان ينتمي لدولة ما بحكم وثيقة الجنسية بصفة أصلية أو بالتجنيس إلى مواطن عاشق لتراب وطنه وباذل للجهد والفكر والنصيحة في سبيل إعلاء شأن بلاده فإن المواطنة التقليدية تصبح وطنية مشحونة بمشاعر الحب والاخلاص للوطن، ومكوناته الاجتماعية ونظام حكمه، كما أشار د.المناع إلى أن صفة الوطنية أكثر عمقا من صفة المواطنة أو أنها أعلى درجات المواطنة، حيث إن الفرد يكتسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه لجماعة أو دولة معينة لكنه لا يكتسب صفة الوطنية إلا بالعمل والفعل الصالح حتى تصبح المصلحة العامة لديه أهم من المصلحة الشخصية، خاتماً حديثه: «الوطنية هي ولاء للأرض وحرص على من عليها بينما المواطنة علاقة قانونية لا يستغرب تطورها إلى حالة وطنية يعتد بها». وعن سمات المواطنة ودورها في بناء الدولة تحدث د. محمد عثمان الخشت -أستاذ فلسفة الأديان والمذاهب الحديثة والمعاصرة ورئيس جامعة القاهرة- وقال: تحديد معالم مفهوم المواطنة ومضمون الأنظمة السياسية عبر العالم تتباين، وتستغرق أغلب البحوث في التعريفات الإجرائية أو الاصطلاحية، مع أن المفهوم يتحرك في إطار سيرورة تاريخية غير منقطعة، ككائن حي له ماضي وحاضر ومستقبل، ينشأ وينمو ويتطور، ويتراجع ويتقدم، ويقوى ويضعف، ويتداخل ويتخارج مع مفاهيم أخرى، فالمواطنة مفهوم يتطور، وهناك تحوّلات سياسية كبرى شكلت مبادئ المواطنة: دولة المدينة، الأمة أو الامبراطورية، الدّولة القوميّة، والدولة الوطنية ذات السيادة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948. وقد يضيق وقد يتسع، يضيق ليقتصر على نخبة أو طبقة وقد يتسع ليشمل عدة نخب أو طبقات، وقد يزداد اتساعا فيشمل كل المنتمين إلى دولة ما أو أمة، وفي أحيان قليلة -لا تتجاوز اليوتوبيات إلا نادرا- ربما يشمل مفهوم المواطنة كل الجنس البشري في إطار دولة عالمية قد يكون لها شكل الدولة الواحدة، وقد يكون لها شكل التكوين الفيدرالي الذي يجمع عدة دول في إطار هيئة عالمية أو عصبة أمم. وأكد بأن أعلى نقطة لتطور مفهوم المواطنة حتى الآن هي مواطنة «الدولة الوطنية»، بوصفها نقطة الارتكاز في بناء الدولة الحديثة؛ شارحا ذلك بأنه لا يمكن قيام الدولة دون تأسيس واضح للمواطنة كمفهوم وممارسة؛ ولا قيام للمواطنة بدون دولة، فالمواطنة في الواقع المعاصر هي مواطنة «الدولة الوطنية» وليست «مواطنة الأمة»؛ لأن الدولة الوطنية هي التطور السياسي الأخير لمفهوم الدولة، مشيرا إلى أن (الولاء) لدولة أخرى معادية (سواء داخل دائرة الأمة أو خارجها) ينزع حق المواطنة من الدولة الأم، ويصبح خيانة عظمى تستوجب إعمال القانون. ويدخل في هذا الإطار مفهوم الولاء والبراء السياسي. وتابع د. الخشت بقوله: نظرا للارتباط العضوي بين المواطنة والدولة الوطنية، لا بد من التأكيد على أن حدود وحقوق وواجبات المواطنة يحددها دستور كل دولة وطبيعة نظام الحكم بها، ولا يوجد دستور نموذجي معياري يصلح للحكم في كل زمان ومكان. وأشار د.محمد عن المفهوم الأخير للمواطنة بأنه الأكثر اكتمالا في الفلسفة السياسية المعاصرة، حيث أصبحت انتماء وولاء لل»الوطن الدولة»، انتماء يتمتع المواطن فيه بالعضوية كاملة الأهلية على نحو يتساوى فيه مع الآخرين الذين يعيشون في الوطن نفسه مساواة كاملة في الحقوق والواجبات، وأمام القانون، دون تمييز بينهم على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الفكر أو الموقف المالي أو الانتماء السياسي، ويحترم كل مواطن المواطن الآخر، كما يتسامح الجميع تجاه بعضهم البعض رغم التنوع والاختلاف بينهم، مع الولاء للوطن وجعل المصالح العليا للوطن فوق كلّ شيء مثل القبيلة أو المذهب الديني أو غيره.