بالرغم من استمرار التوترات الدولية والإقليمية التي تسببت في تردي الأوضاع الاقتصادية عالميا وخاصة في منطقة الشرق الأوسط؛ مما جعلها محفزة إلى دعم ارتفاع أسعار النفط في الفترة القادمة خاصة أن المخزونات النفطية مرتفعة وستستغرق بعض الوقت لتصفيتها، وفي ظل توقع حذر يؤدي الى زيادة أسعار النفط تدريجيا في السنوات القليلة القادمة مع انتهاج منظمة الأوبك سياسة خفض الإنتاج، يُلمس في مؤشرات قياس الأداء من تنامي مشاريع الاستثمارات الوطنية والأجنبية المباشرة حاليا في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية. ومن هنا أدركت الحكومة الرشيدة دورها حيث ستواصل تلبية طلب عملائها على النفط؛ وبالرغم من كون النفط يعتبر المصدر الوحيد للموازنة العامة خلال السنوات الماضية ولم يحقق الهدف المنشود في تحقيق التنمية المستهدفة، إلا أن الحكومة الرشيدة بدأت تحولا جوهريا بسياساتها الاقتصادية الحصيفة لمواجهة أسعار النفط المنخفضة؛ واستحدثت سلسلة من الإصلاحات على مدار العام الماضي، كما وضعت مؤخرا خططا جريئة وطموحة تؤكد متانة الاقتصاد السعودي لمواجهة التحديات في ظل رؤية المملكة 2030م؛ حيث اتسمت السياسة الاقتصادية المعلنة لكي تساعد في تحقيق أهداف الرؤية ضمن سلسلة من الخطط على مستوى السياسات الاقتصادية العامة بهدف تعزيز مقومات التنمية وفق رؤية إصلاحية شاملة لبرامج تنفيذية لتحقيق الأولويات القائمة على شراكة القطاعين العام والخاص والقطاع غير الربحي في ظل آليات التكامل والتنسيق بين مختلف الجهات العامة والخاصة؛ وتعزيز الشفافية وكفاءة الانفاق المالي العام وتكريس النزاهة، كما وضعت برامج لضمان الدقة في التنفيذ لبنود الميزانية وتقييم الأداء الحكومي وفق البنود المعلنة في بيانات الميزانية العامة. ومن أهم أولويات السياسة الاقتصادية الطموحة التي أعلنت في ثنايا محاور الميزانية العامة للعام المالي 2019م: تنويع مصادر الدخل؛ والتوجه نحو الاقتصاد المعرفي، وايجاد مزيد من فرص العمل للمواطنين بالقطاع الخاص، فمن المخطط له إقامة مزيد من مشاريع الاستثمارات الوطنية والأجنبية في مختلف مناطق المملكة حيث تؤكد قراءة بيانات الميزانية حرص الحكومة الرشيدة على تحفيز القطاع الخاص كشريك استراتيجي في التنمية الشاملة حيث رصدت مبلغ (200) مليار ريال ليتمكن من المشاركة في مشاريع التنمية التحتية وتحسين الخدمات بغية تحقيق جودة الحياة للمواطن. وهذا يمثل رسالة صريحة لجذب وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية مما يلقي العبء الأكبر على القطاع الخاص لكي يكون محفزا لاستقطاب الكفاءات البشرية التي تعد أهم موارد التنمية الوطنية. ومن مؤشرات إعلان الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2019؛ أكدت الحكومة الرشيدة التزامها بتنفيذ الإصلاحات لتحقيق الأهداف المتوخاة في رؤية المملكة 2030 وعزمها على إحداث تحول في الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الإنفاق الحكومي؛ ومنح الأولوية للمشاريع التنموية، وتطبيق فاعل لمؤشرات قياس أداء الجهات الحكومية لضمان تعزيز إدارة الاستثمارات العامة وفق منهجية اقتصادية تحقق أهداف الرؤية. ومن شأن الأهداف الواردة في "برنامج التحول الوطني" وغيرها من خطط السياسات المستقبلية التي تدعم الرؤية توسيع نطاق هذه الإصلاحات الجارية وتعميقها وتبسيط عملية صنع القرار وتعزيز آليات المساءلة في مختلف الجهات الحكومية لدعم عملية الإصلاح الاقتصادي المنشود والعمل لإيجاد ميزانية متوازنة لتحقيق هذا الهدف من خلال الجمع بين إصلاح النفقات والإيرادات، وذلك بدوره يؤدي الى تحسين أداء برنامج كفاءة الإنفاق العام. كما رسمت توجه عام نحو النشر الدوري (ربع سنوي) لبيانات أكثر تفصيلا عن تحليل الميزانية العامة وأوجه الصرف، وهذا من شأنه دعم الشفافية والمساءلة؛ وإعلان الميزانية العامة للعام المالي 2019م، يُمثل نقلة نوعية في حجم المشاريع التنموية التي صاحبت اعلان ميزانية هذا العام عن سابقاتها، حيث بلغت الميزانية العامة (1106) مليار ريال؛ وتخفيض العجز الى (131) مليار ريال، في ظل زيادة الانفاق بنسبة (7%) مقارنة عن العام 2018م. وتقدر الإيرادات بزيادة بلغت ب (9%) مقارنة بالعام 2018م، وهذا يؤكد على متانة الاقتصاد السعودي ونجاعة الإصلاحات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة الرشيدة خلال الأعوام الماضية، ويعطي مؤشرات إيجابية على الاستقرار الاقتصادي والاستدامة المالية في ظل توجه في السياسة الاقتصادية نحو زيادة الإيرادات غير النفطية، وهذه الميزانية الاستثنائية تؤكد على تمتع المملكة بمناخ استثماري جاذب لإقامة مشاريع التنمية الشاملة من خلال الاستثمار الوطني والأجنبي وبالتالي زيادة العوائد غير النفطية والبعد عن هيمنة النفط ومخاطر تذبذب أسعاره، وستنعكس مخرجات الميزانية على تحسين جودة الخدمات التي تقدم للمواطن في ظل توجه نحو تطوير القطاعات التنموية الخدمية مع التزام تام ببرنامج كفاءة الإنفاق الحكومي. * متخصص في قانون الاستثمار الأجنبي