د. ماجد بن عبدالله الهديان نظرا لما لمس في مؤشرات تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة حاليا بسبب استمرارية التوترات الدولية والإقليمية التي تسببت في تردي الأوضاع الاقتصادية عالميا وخاصة منطقة الشرق الأوسط؛ محفزة إلى دعم ارتفاع أسعار النفط في الفترة القادمة خاصة أن المخزونات النفطية مرتفعة وستستغرق بعض الوقت لتصفيتها، وفي ظل توقع حذر زيادة أسعار النفط تدريجيا في السنوات القليلة القادمة مع سياسة خفض الانتاج، وإن كان لا يتوقع أن تتعافى لتصل إلى المستوى الذي كانت عليه صناعة النفط العالمية في النصف الأول من عام 2014م. ومن هنا أدركت الحكومة الرشيدة دورها حيث ستواصل تلبية طلب عملائها على النفط؛ وبالرغم من كون هذا المصدر الوحيد للموازنة العامة خلال السنوات الماضية لم يحقق الهدف المنشود في تحقيق التنمية المستهدفة إلا أن الحكومة الرشيدة بدأت تحولا جوهريا في سياساتها الاقتصادية الحصيفة لمواجهة أسعار النفط المنخفضة؛ واستحدثت سلسلة من الإصلاحات على مدار العام الماضي، كما وضعت مؤخرا خططا جريئة وطموحة تؤكد متانة الاقتصاد السعودي لمواجهة التحديات في ظل "رؤية السعودية 2030 م"؛ حيث اتسمت السياسة الاقتصادية المعلنة لكي تساعد في تحقيق أهداف الرؤية ضمن سلسلة من الخطط على مستوى السياسات الاقتصادية العامة بهدف تعزيز مقومات التنمية وفق رؤية اصلاحية شاملة لبرامج تنفيذية لتحقيق الأولويات القائمة على شراكة القطاعين العام والخاص والقطاع غير الربحي في ظل آليات التكامل والتنسيق بين مختلف الجهات الحكومية؛ وتعزيز الشفافية وكفاءة الانفاق المالي العام وتكريس النزاهة، كما وضعت برامج لضمان الدقة في التنفيذ لبنود الميزانية ومحاسبة المقصرين. ومن أهم أولويات السياسة الاقتصادية الطموحة التي أعلنت في ثنايا محاور الميزانية العامة للعام المالي 2017م: تنويع مصادر الدخل؛ والتوجه نحو الاقتصاد المعرفي، وايجاد فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص، فمن المتوقع دخول (1.6 – 1.8) مليون مواطن إلى سوق العمل على مدار الأعوام الخمس سنوات القادمة. مما يلقي العبء الأكبر على القطاع الخاص لكي يكون محفزا لاستقطاب تلك الكفاءات الوطنية التي تعد أهم موارد التنمية الوطنية. ومن مؤشرات اعلان الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2017م؛ أكدت الحكومة الرشيدة التزامها بتنفيذ الإصلاحات لتحقيق الأهداف المتوخاة في "رؤية السعودية 2030م" وعزمها على إحداث تحول في الاقتصاد الوطني على مدى الخمسة عشر عاما المقبلة من خلال خفض الإنفاق الحكومي؛ منح الأولوية للمشاريع التنموية، ووضع مؤشرات قياس أداء رئيسة للجهات الحكومية لضمان تعزيز إدارة الاستثمارات العامة وفق منهجية اقتصادية تحقق أهداف الرؤية. ومن شأن الأهداف الواردة في "برنامج التحول الوطني" وغيرها من خطط السياسات المستقبلية التي تدعم الرؤية توسيع نطاق هذه الإصلاحات الجارية وتعميقها وتبسيط عملية صنع القرار وتعزيز آليات المساءلة في مختلف الجهات الحكومية لدعم عملية الإصلاح الاقتصادي المنشود والعمل لإيجاد ميزانية متوازنة لتحقيق هذا الهدف من خلال الجمع بين إصلاحات النفقات والإيرادات، وتحسين كفاءة الإنفاق العام. كما رسمت توجها عاما نحو نشر بيانات أكثر تفصيلا عن تحليل الميزانية العامة وأوجه الصرف في كافة بنود الميزانية العامة، وهذا من شأنه دعم الشفافية والمساءلة؛ ويمثل نقلة نوعية في اعلان ميزانية هذا العام عن سابقاتها، بل لاحظنا الحملة الاعلامية التمهيدية التي سلكتها الجهات المختصة قبيل اعلان الميزانية التي تُعد جزءا من الشفافية والافصاح الذي سعت الحكومة الى تكريسه ضمن منهجية العمل المستقبلية. *مستشار قانوني متخصص في الاستثمار