وأنت تتكلم عن سمو مكانة اللغة العربية وعلو منزلتها، لا تقل إنها لغة القرآن الكريم، فإنك تخاطب فريقين: فريقا مؤمنا بالقرآن، لا يجهل قولك، وفريقا كافرا بالقرآن غير مبال بما تقول. أما القرآن الكريم فلن تكون أبلغ في التعبير عنه ممن أنزله جلت قدرته: «وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ». وأنت تتكلم عن اللغة العربية تكلم بزهو وفخر، لا مدافعا عنها ولا منافحا، فالعربية لا يعرف جمالها ولا يقف على أسرارها إلا ذوق ارتقى مرتقى صعبا. اللغة أي لغة هي في الأصل ممارسة ليست علما، ونحن ننادي كما نادى الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد - طيب الله ثراه - قبل سنوات بأن تمارس الفصحى في ميدان العلم وأروقة الثقافة، فلا نطالب بأن نتحدث بالفصحى في مجالسنا الأسرية أو مع أصحاب المحال التجارية لا فض فوك أيها الأديب اللبيب، فما تنفع الشهادة الإنسان؛ إذ هي لم تقوّم اللسان غير تعليقها على الجدران، فالعامية تحط من قدر المعلم والمثقف أيما انحطاط، ويزدريه السامع كل الازذراء. ولم أجد لغة من لغات العالم تكون ميزانا في الدين إلا اللغة العربية، وذلك عند إمامة الصلاة، والإمامة أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة، فالصلاة عمود الدين، والركن الثاني من أركان الإسلام. بَيَّنَ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسلم - الأحق بالإمامة والأولى بها في قوله: «يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سِلْماً» رواه مسلم في صحيحه. فأولى الناس وأحقهم بالإمامة أجودهم قراءة، وهو الذي يتقن قراءة القرآن، ويأتي بها على أكمل وجه. وليس بعد هذا القول قول، فحسب اللغة العربية هذا القول تفضيلا، فمن أصدق بعد الله من رسول الله قيلا.