من المعروف أن الحروب تجاوزت مفهوم ضربة رمح أو طعنة خنجر أو قذيفة منجنيق حروب اليوم متعددة الأسلحة وسلاحها الأقوى (الإعلام)، وبعيداً عن تقييم عمل منابرنا الإعلامية الخاصة منها والرسمية، هناك شواهد تاريخية على أن الصوت الإعلامي سلاح حرب، وهو سلاح قوي ومخادع وقد يصل لمرحلة تشكيك الإنسان حتى في قناعاته ونفسه! ولعلي أذكر جيداً مثلاً ما حصل في بداية الألفية الثانية حين كان (الصحاف) وهو وزير عراقي شهير جداً آنذاك، يطلق تصريحات نارية تصف الجنود الأميركيين بالعلوج، وكان آنذاك أشهر من نارٍ على علم بتصريحاته تلك، والتي كان من يسمعها يعتقد بأن جنود الولاياتالمتحدة الأميركية حين يطئون بقدمهم أرض العراق فستكون مقبرتهم حيث يطئون! كان الوزير الصحاف حينها يظهر ببدلته العسكرية ونياشينه المتراصة ويتكلم بكل ثقة وقوة حتى أن بعضهم اعتقد بأن نهاية أميركا على يد جنود العراق! لكن ما حدث بعدها كان مفاجئاً على الأقل لأمثالي من المتابعين آنذاك، فجأة سقط صدام وهرب واختبأ حتى وجدوه في حفرة! بل وقاموا بنحره في يوم عيد الأضحى! واختفى صوت الصحاف حتى اليوم، لكن هل كانت هذه الحادثة الوحيدة التي أذكرها؟ طبعاً لا هناك أيضاً ذكرى لا تنسى في بداية التسعينات الميلادية إبان غزو العراق للكويت وربما كثير من الجيل الحالي لا يذكر أو حتى لا يعرف تفاصيل تلك الفترة التي عشنا بها أياماً تحت الرعب، فتارة كانت الصواريخ (صواريخ سكود) تُطلق نحو مدن المملكة وفي الرياض تحديداً، وتارة أصوات صافرات الإنذار تئنُ صراخاً مرعباً يشعر من يسمعه وكأنه في آخر أيام عمره، وكأن نهاية العالم قد اقتربت، كان صدام حسين يهدد بإرسال صواريخ الغازات السامة، وأذكر حينها كيف تحولت شبابيك البيوت إلى مصدر خوف ورعب من تسرب الغاز المميت فكانوا يضعون الشريط اللاصق على حواف النوافذ خوفاً من هذا الغاز، وانتشرت حينها أقنعة حجب الدخان السام، ولجأ البعض لشراء وتخزين المواد التموينية في بيته خوفاً من الحرب! كانت أياماً عصيبة توقفت فيها حتى الفصول الدراسية لفترة وانقطع الطلاب (وأنا منهم) عن المدارس لعدة شهور، وحين عدنا لمقاعد الدراسة الخشبية كان بيننا طلاب من الكويت الشقيقة عشنا وتعايشنا معهم أياما لا تنسى بحلوها ومرها، منذ حوالي 28 عاماً حدث كل هذا ولم يكن حينها من وسيلة إعلامية سوى الصحف والإذاعة والقنوات الرسمية الأرضية على ما أذكر, تجاوزنا كل تلك الصعوبات لأننا جيل كان لا يسمع لغيره ولا يملك إلا محبته لدينه ووطنه وولاة أمره نسمع الأخبار من مصادرها الرصينة في الإذاعة أو التلفزيون لم تكن هناك قنوات (حقيرة) موجهة ضدنا, الخلاصة: نحن اليوم أقوى بكثير من الأمس وهذه القوة تثير حسد الحساد وغضب الأعداء لكننا سنمضي معاً بإذن الله مع قيادتنا لنحقق الرؤية وهذا يتطلب الكثير من التمرس على تخطي الصعوبات ونحن قد تعودنا على تخطيها ومنذ سنوات طوال.