في مقابلة تلفزيونية مع ستيف جوبز الرئيس الراحل لشركة أبل، تحدث عن أبرز مفاتيح الريادة والتفرد للشركة، ومن جملة موضوعات استطراده في الحوار، استوقفتني ابتسامة الفخر لديه وهو يتحدث مع مقدم البرنامج ويقول: "أتعلم كم عدد اللجان لدينا في أبل! الجواب صفر، لا يوجد لجان". هذه الكلمات تدفع فضولنا لنتفكر ونتدبر في أسباب ربط ستيف هذا النهج الإداري لدى الشركة ضمن مزيج الخلطة السرية لديهم، ودوره المحوري بين عوامل النجاح واستدامة التميز والتجدد في أبل. دعونا نهدئ السرعة رويداً ونحول بوصلة اتجاهنا نحو منعطف الممارسات الميدانية الواقعية لدى بعض المنظمات، حيث يبادر الموظف الشغوف مديره بفكرة مشروع جديد أو تطوير مشروع قائم، وبدوره يقوم المدير بتشكيل لجنة للدراسة وإبداء الرأي. وهنا، ومن هذا الخط تنطلق رحلة السلحفاة في مضمار سباق التقدم للوراء مروراً على جماهير الموظفين، عن الشمال وعن اليمين. فتجتمع اللجنة ثم تجتمع، وينبثق منها فرق ولجان، ويشارك فيها القاصي والداني، من المختصين ومن غير أهل الشأن، والكل أصبح مفتي الإدارة والزمان، ويتفاقم الأمر عندما يكون من بينهم أصحاب القرار الواجب السريان، وتجد من ينقد وينتقد، ويحاضر بمفردات أرى وأعتقد ويجب وكان، فهل المؤسسات ومشروعاتها تدار بالمرئيات والاعتقادات أم بالجدارات والتخصصات؟ وما يزيد الطين بلة أنه عندما تبصر بعض هذه المشروعات النور أخيراً، يتولى إدارتها من هم خارج برواز المعرفة العلمية والخبرة العملية، وهو بلا ريب يؤثر سلباً في انجرافها نحو النهاية الحتمية. ولو سلطنا الكشاف قليلاً على بعض الهياكل التنظيمية نجدها تفتقر أحياناً للوحدات الإدارية الحيوية والمؤثرة في أداء ونتائج المؤسسة، وذلك الغياب الإداري يدفعها إلى تشكيل اللجان لتولي الإشراف على بعض المشروعات والبرامج. وعلى ضفاف آخر هناك منظمات تمتلك هياكل رشيقة متكاملة البنيان، ورغم ذلك لم تتعافَ من حمى ثقافة اللجان ومازالت تقبع فيها، وهو ما يشعل فتيل أزمة تداخل المهام، وصراعات لنا ولكم، ونزاعات دورنا ودوركم، الأمر الذي قد يعصف بالعلاقات المهنية ويلقي بانعكاساته على الأداء المؤسسي وفشل تلك المشروعات، وهنا تكمن أهمية وجود نظام الجودة "الأيزو" والتدقيق المستمر والدوري عليه. وذلك معطوفاً على أهمية بناء استراتيجية محددة لتبني الأفكار والمبادرات التطويرية المقترحة من الموظفين وتوجيه مسارها لتكون ضمن نطاق مهام وأعمال المؤسسة. ختاماً أقول لكل مدير: إذا أردت أن تثب بمؤسستك عكس الرحال لتتقادم، وأن تحبط همة كل مبادر حالم، وكل مبدع مؤمن برسالة المنظمة ولها خادم، فعليك بوصفة: يحال المشروع إلى اللجنة لعمل اللازم.