لقد قلب ستيف جوبز مفاهيم الإدارة الكلاسيكية، حيث أثبت أن تحقيق النجاح الباهر لأي مؤسسة يتكون بوجود "معنى" و"هدف راق" عند القائد للسوق المستهدف. في حين أن الإدارة الكلاسيكية توضح أن القائد يجب عليه استخدام مبدأ الديمقراطية، وأن يكلف مدراءه بالعمل وينتظر النتائج ليعلق عليها. عمل جوبز على عكس هذا المبدأ تماماً، عندما جعل "المعنى" هو المحرك الرئيس لمشاعر القائد. لقد أدرك جوبز أن الدور الحرج والتحدي يقع على عاتقه في نقل شعلة النشاط والحيوية لتنتشر عبر الإدارات والأقسام، لتحرك "الإبداع" ذا القيمة للعملاء، وكلما كانت القيمة مجهولة عند العملاء، بمعنى أنهم لم يطلبوها أو حتى يتخيلوها، كانت القيمة أكبر بكثير وتتجلى تداعياتها بشكل متسارع مثل كرة الثلج. لقد وضع جوبز "العميل" في منتصف دائرة الاهتمام. لم يكن مهتماً بما عمله أو سيعمله المنافسون، فهو يدرك أنهم يركزون على الأرباح القصيرة المدى، بينما يبحث هو كقائد عن قيمة كبيرة بعيدة المدى وتحقق قفزة نوعية في مفاجأة العملاء بمنتجات إبداعية تحقق لهم رغبات "مدفونة" لم يكتشفوها بعد. لم يعتقد جوبز بمبدأ أن الإبداع ينشأ من أسفل المنظمة إلى الأعلى، بحكم أن الموظفين الذين يتعاملون مع العملاء أقدر على معرفة "احتياجات" و"رغبات" العملاء من باقي موظفي الشركة في الإدارة الإقليمية أو المركزية. وفي الحقيقة، شركة أبل لم تستمع لمتطلبات العملاء!. وكان أسلوبها يسير على مبدأ "اعرض عليهم ما لديك ودعهم يبينون توجهاتهم". الإبداع كان يأتي من جوبز وليس من فرق العمل. طبعاً الأفكار قد تأتي من أكثر من جهة، ولكن جوبز كان المسيطر على عملية الإبداع. كانت له طريقته الخاصة -فيها الصواب وفيها الخطأ-، فكل الناس بالنسبة له ينتمون إلى مجموعتين فقط لا ثالث لهما: عباقرة وأغبياء. وكان يعتبر نفسه من الفئة الأولى -العباقرة- الذين يستطيعون تحقيق المعجزات والقفزات والاختراعات الجديدة. إن فرق العمل تلعب دوراً رئيسياً في تنفيذ الإبداع، ولكن مبدأ "تخيل" ماذا يحتاج إليه العملاء حتى قبل أن يدركوا أنهم سيحتاجون إليه كان يأتي دائماً من جوبز. وقد ساعد أسلوبه هذا بشكل كبير على تطوير العديد من التقنيات التي خاف منافسيه من الخوض في غمار معاركها، ولولا الله ثم جرأته كقائد لظلت شركة أبل شركة عادية تقدم التكنولوجيا بشكل تقليدي. نعم لم يكن جوبز يعترف دائماً بأنه أخطأ، فقد كان يعتبر نفسه مميزاً، وانتشر هذا الإحساس بشكل مباشر وغير مباشر للموظفين المحيطين به وأثر على عقولهم، مما مكنهم من تحقيق المستحيل وتنفيذ التحديات الكبيرة. فمثلاً، لقد كان من أبرز أساليب تجربة الإبداع لدى شركة أبل في أوائل مراحل التطوير، أنها تعتمد على موظفيها لتجربة وقياس تأثير المنتجات الإبداعية، فهي لا تستخدم الأساليب التقليدية لتقييم المنتجات عبر مجموعات العملاء واختبارات الأداء من واقع تجارب عملية، بل تعتمد على تجارب موظفيها بكونهم يمثلون شريحة المستهلكين أنفسهم. فمثلاً، ظهرت الحاجة إلى iPod بحكم أن أكثر موظفي أبل من الشباب يعشقون سماع الصوتيات أثناء عملهم، وكان تصنيع منتج لتحقيق هذه الرغبة شيئاً مقدور على تنفيذه لموظفي أبل بحكم قدراتهم الفنية العالية. ولأنه قائد مميز، ألهب جوبز مشاعر موظفيه بمشروع iPod، وكان لا يقبل إلا أن يقدم أفضل مستويات الجودة التي ستبهر العملاء من أول نظرة ومن أول تجربة. كان الحلم جباراً، يجمع بين التقنية والفن، وكان جوبز يتابع بشكل مؤثر مختلف الإدارات، حتى تم تحقيق الحلم. لقد أوجد جوبز إدارة "بالمعنى الحديث" تعطي الموظفين أهمية قصوى للمشاركة في صنع التاريخ، وزرع لدى مدرائه وموظفيه أهمية العمل بشكل جماعي متسارع لأن سوق المستهلكين تغير وأصبح لديه خيارات متعددة، فلابد من كسر الروتين الإداري وشق طريق غير مسبوق لدخول السوق. وكانت كلماته تعكس هذه المعاني الثلاثة: "ركزنا في أبل على إيجاد قيمة نوعية للمستهلكين، ولم نركز على الأرباح في المدى القريب، لأننا نعرف أن المستقبل يكمن في إيجاد تغطية جذابة لثغرات يعاني منها المستهلكون".