طفلك يحمل جيناتك الوراثية بلا شك، لكن لا تبالغ في التوقعات؛ لأنه لن يكون نسخة منك أبداً. الآباء الذين يظنون أن أبناءهم مجرد امتداد لهم في الشخصية، والتفكير، والهوايات يقعون في مأزق تربوي خطير. إن عقول الأطفال هي عقول غضة طرية، لم تمتلئ بعد بمفاهيم الحياة، ومداركها، إنها عقول مبتدئة، منطلقة، تستكشف الأشياء من حولها، وتحاول إدراك مفاهيم الحياة، والتعرف على قيمها، فحين تقف عاجزة تنطلق إلى الوالدين طلباً للمساعدة في الفهم. من هنا يتجلى دور الوالدين التربوي، الذي يأخذ بيد الطفل من الحيرة، وقلق التساؤلات، إلى دور تربوي، فدور الوالدين ليس إصدار الأوامر فحسب، وليس العطاء عند الرضا، والحرمان عند الغضب، وليس توفير الحاجات المادية فقط. إن الدور التربوي للوالدين أهم وأعظم، فالرعاية الأبوية ممتدة إلى بناء شخصيته، وإلى مساعدة الطفل في الفهم الصحيح للحياة، والوصول إلى حقائق الأشياء، حيث إن إلحاح الطفل بالأسئلة، نابع من محاولته الاكتشاف والمعرفة، ما يجعل دور الوالدين بالإجابة عن تلك الأسئلة رئيساً في بناء شخصية الطفل، فلجوء الطفل إلى والديه لأنه يثق بهما، ولأنه يراهما قادرين على مساعدته، ثم إن ترك أسئلته عائمة، بلا أجوبة واضحة، يدع فراغاً في بنائه الفكري، وقصوراً في تصوراته الذهنية للحياة. إن الحياة بالنسبة للطفل غامضة جداً، لذلك نجده يلح في أسئلته، ولا يتوقف لأنه يريد أن يفهم ما يدور حوله في الحياة. وحتى لا تخلق مفاهيم خاطئة، وتصورات ذهنية مغلوطة لديه، ينبغي التعامل مع أسئلته بالجدية الكافية، وأخذها على محمل الجد، وعدم استنقاصها وازدرائها، لما لذلك من آثار سلبية على تكوينه النفسي، وتركيبة شخصيته. حتى تلك الأسئلة غير المنطقية، أو التي تصعب الإجابة عنها مقارنة بعمره، كالأسئلة الوجودية التي يطلقها بعض الأطفال: كمن خلق الله، أو أين الله.. أو غيرها من الأسئلة المتصلة بمفاهيم الحياة لكنها تبدو أكبر من عمره، إلا أن تجاهلها يؤدي إلى بقائها عالقة في ذهنه، وقد يبحث عن إجاباتها، لتصل إليه بطريقة غير ملائمة لعمره فتخلق عنده تصوراً أو مفهوماً مشوهاً يصعب فيما بعد استجلاؤه. إذاً ينبغي أن تتم الإجابة بطريقة ملائمة لعمره وللموقف نفسه، وبأمثلة وتشبيهات تكشف له الصورة الذهنية من خلال أمثلة واقعية وحسية. لا تحمل طفلك نتائج توقعاتك المرتفعة لشخصيته، ولا أحلامك القديمة لطفولة مثالية، ولا طموحاتك العالية لمستقبله، لا تنظر إليه كمشروع تعويضي لما خسرته في حياتك، أو تريد منه تحقيق الإنجازات التي فشلت في تحقيقها. دعه ينطلق في الحياة حراً بعيداً عن قيود توقعاتك، سليماً من عقبات طموحاتك، حاور طفلك وكن قريباً منه، مساعداً له.