الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أرسل رسله بالبينات والهدى، وَأَنْزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَخَتَمَهُمْ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الَّذِي أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، وَأَيَّدَهُ بِالسُّلْطَانِ النَّصِيرِ، الْجَامِعِ مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْقَلَمِ لِلْهِدَايَةِ وَالْحُجَّةِ؛ وَمَعْنَى الْقُدْرَةِ وَالسَّيْفِ لِلنُّصْرَةِ وَالتَّعْزِيرِ. وبعد.. فقد اكتست مناطق مملكتنا الحبيبة التي تفضل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - بزيارته الميمونة لها، حللاً بهيجة عطَّرتها، فعاشت بهذه المناسبات العظيمة فرحًا يغمر جنباتها، وحبًّا وولاءً وطاعةً، تضمَّخت بفخر واعتزاز بزيارات كريمة زَفَّت بشارات خيرٍ، و دلالات نماءٍ وعطاء ورفاهية لأبناء وطننا الغالي. ولمَّا جاءهم البشير بتلك الزيارات الحانية فكأن السماء قد استبشرت فرحاً، وتمايلت النخيل طربًا، وأوجَفَت القلوب ابتهاجًا، وعلت الوجوهَ الابتساماتُ فرحاً بقدومه الميمون، ورُفعت الأكُف بالدعاء لمقامه الكريم عونًا وتوفيقًا، ونصرًا وتمكينا، على تشريفهم بزيارته الكريمة التي تعد امتدادا للمنهج الذي أرساه الملك المؤسس، ذاك المنهج القويم المتأصل في زيارة المناطق وتفقد أحوال الرعية. وسطَّر الأهالي جميل تعبيراتهم ترحيبًا بقدوم مليكهم المُفَدَّى للمنطقة، وتعَطَّلت لغةُ الكلام عن حمل مشاعر الفرح والسرور بمقدم سلمان الخير، فاستبشروا بزياراته الملكية الكريمة وما تحمله من نفع على الوطن والمواطن، إذ تلك الزيارات الميمونة لقائد العزم والحزم - أيده الله - مثلت قيمة وترابطًا وتكاتفًا بين القيادة والشعب، فهي زيارات تاريخية عجزت المشاعر عن التعبير عنها، وأدخلت الفرحة في نفوس أبناء المنطقة. فقد أدرك -حفظه الله ورعاه- حجمَ المسؤولية التي تولاها، وعظمَ الأمانة التي قام عليها، وعلم أنه مسؤول عنها أمام الله جل وعلا، فقام بواجبه، ونصح لرعيته، ولم يدخر جهداً في تفقد ما تولاه، وإعطائه ما يحتاج إليه، كيف لا؟! وهو سليل الملوك فرعٌ سَامِقٌ من ذاك الأصل الثابت الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، استلهم فروسية والده، فتوهج ذكاؤه، واتقد ذهنه، إذ تربي في كنف والده المؤسس لعقدين من الزمن، فاصطبغ بنور الحكمة، وفضيلة الحنكة، فخَبِرَ أعباءَ الحكم، وأركان القيادة، فهو -حفظه الله- مدرسة، وضع نصب عينيه الدقةَ والحزمَ، صارم كالسيف في الوقت، حازم في الإدارة والقرار والتنفيذ، وهو بذلك أجدر؛ إذ قالوا: ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعية أو تملكه إلا حرفان: حزم وتوان. وليس هذا على وطننا الغالي بجديد؛ فقد كان الملك الوالد المؤسس إمامًا عادلاً، قوَّامًا لكلّ مائل، ومصدًّا لكل جائر، وصلاحًا لكل فاسد، وقوةً لكل ضعيف، ونُصْفةً لكل مظلوم، ومَفْزَعًا لكل ملهوف، كان لا يَكِلُّ ولا يَمَلُّ من تفقد رعيته، إذ مع تقدم الأمن والنظام، تدفَّقَت عوامل النهضة، فاستخدم الاتصالات لبناء لُحمة المملكة؛ لتقريب البعيد، فكان في قصر كل إمارة غرفة لللاسلكي، فلم يكن المؤسس ينم حتى يُبْرِقَ لكل أمراء المناطق ليطمئن على شؤون رعيته، يتفقد أحوالهم، ويشرف على تدبير أمورهم، فأرفق برعيته ونصح لهم، فكان قدوة حسنة لرعيته، مقتديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان قدوة لأصحابه في جميع شؤون حياتهم، قال تعالى: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. فالقيادة والريادة موهبة وعطاء من الله جل وعلا يفيض به على من يشاء من عباده، فهي على مراتب، أعلاها أن تكون النعمةُ نعمةً على الراعي والرعية، وهذا الذي أنعم الله به على هذه البلاد المباركة، فقد ألزم المؤسس وأبناؤه من بعده أنفسَهم بأسس القيادة وعناصر نجاحها، وهي الإيمان بالله، والثقة به، والصدق والوفاء، والرحمة والحزم، وحصافة الرأي، وجعلوا ميزان حكمهم العدل، والإنصاف والقسطاس المستقيم، كما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فأمِنُوا وأمِنَت رعيتُهم وطابت نفوسُهم، فطابت رعيتُهم، وهنئوا لهنائها؛ إذ ألزموا أنفسهم الإطارَ السليم للقيادة الحقة التي وردت في قوله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وقوله: إن الرائد لا يكذب أهله. فكسى المؤسس - رحمه الله - رعيته بحسن رعايته، وجميل نعمته، فملك قلوب الناس، حتى أصبحوا سواعده في التشييد والبناء..؛ إذ جُبِلت النفوس على حب من أحسن إليها، فسبحان من يغير ولا يتغير.. سبحانه يؤتي الحكمة من يشاء من عباده. وقد يُسَجِّلُ المرءُ التاريخَ في فقرتين، غير أن تسجيل التاريخ عند الملك المؤسس كان يقتضي شجاعة لا تلين، وصبرًا لا ينفد، ورصيدًا من الحكمة لا ينضب، كان لزامًا عليه أن يضع خُطة استراتيجية حسنة الإعداد والتدبير، وكان عليه أن يرتضيَ نكساتٍ وقتيةٍ واتفاقاتٍ لا يُرحِّبُ بها حتى يستطيع أن يبلغ هدفه الأسمى، وكان عليه قبل كل شيء أن يعتصم بالإيمان، كيف لا؟! وهو القائل: (إذا أراد المسلمون والعرب قتال أعدائهم، فإن أعدّوا آلة من آلات الحرب، أعد أعداؤهم مئات وألوفاً، ولكن قوة واحدة إذا أعدها المسلمون لم يمكن أعداؤهم أن يأتوا بمثلها، هي إيمانهم بالله وثقتهم به). وهو القائل أيضًا -رحمه الله-: (إنّنا نعيش في مرحلة تفرض الكثير من التحديات، ممّا يتطلب نظرة موضوعية شاملة لتطوير آليات الاقتصاد، وهو تطوير يجب أن يكون مبنياً على الدراسة والأسس العلمية الصحيحة). فمنذ تلك اللحظة بَزَغَ لهذه البلاد فجرٌ جديدٌ، لسان حاله ينطق ويتحدث عن نفسه، فقد قضى المؤسس - رحمه الله - على شتى صور الفوضى التي اعتاد عليها الناس في البوادي والحواضر من الغارات والسَّلب والنهب، كان ذلك دأبُهم وديدنهم، يسودهم الهلع والذعر حيث لا أمن ولا أمان، ولم ير المؤسس علاجًا ناجعًا لذلك إلا تطبيق أحكام الشريعة على أهل الحواضر والبوادي، كلهم سواء. القيادة والريادة موهبة وعطاء من الله جل وعلا وهي على مراتب أعلاها أن تكون نعمةً على الراعي والرعية كما هو الحال في بلادنا المباركة التي ألزم المؤسس وأبناؤه من بعده أنفسَهم بأسسها وعناصر نجاحها ومن ذلك الاهتمام بالرعية وتفقد أحوالهم فحول كل ذلك إلى اجتماعٍ وألفة بين تلك القبائل المتناحرة، والتقت تلك القبائل واجتمعت على التوحيد والشرع المُطَهَّر، وما أعظمها من نعمة أن يكون الاحتكام إلى الإسلام، كتابِ الله وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، فهما الأصل القويم في التنظيم والإدارة، حتى أصبحت هذه الدولة الإسلامية التي اتخذت القرآن الكريم دستورًا تستقي منه تعاليم الهدى، وتباشير الحياة، تلتزم بتعاليمه الربانية، وتحتكم إلى الشرع الحكيم أنموذجًا حيًّا، وشاهدًا واقعًا، ودليلاً قاطعًا على حفظ الله لهذه المملكة وتسديده وتوفيقه لولاة أمرها. وهو الذي ألجم سائِله بإجابة شافية سديدة، وقد كان مراسلاً لإحدى الصحف الخارجية، إذ سأله قائلا: ماهو دستوركم في هذه البلاد؟ فأجاب الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- : (دستوري وقانوني ونظامي وشعاري دين محمد صلى الله وسلم، فإّما حياة سعيدة على ذلك، وإما موتة حميدة). وطَّن الملك عبد العزيز البادية، واتخذ من قوة الإسلام ومبادئه سبيلًا ومنهجًا للاستقرار، فبث في القبائل الدعوة بإرسال الوُعَّاظ هنا وهناك، فحثوهم على الاستقرار في أماكن المياه وبناء الهِجَر والمساجد، والعمل في الزراعة، بدلًا من الحياة المتنقلة غير المستقرة وأن يجتنبوا الحروب والتناحر. ونالت طريقته الفوز واحتذاها جلُّ أفراد المجتمع؛ فأخذوا يعودون بشغف وحماس إلى أحضان الشريعة الإسلامية، وانتشرت الهِجَر هنا وهناك حتى تجاوزت المائتي هجرة، لتتفجر في قلب الصحراء أعظم نهضة اجتماعية. وذاع صيتُ المؤسس ولباسُ الأمن الذي ألبسه الجزيرة آنذاك، من العدل ومبادئ الإسلام، وهو القائل رحمه الله: (أنا عربي، ومن خيار الأسر العربية، ولست متطفلاً على الرئاسة والملك، وإن آبائي وأجدادي معروفون منذ القدم بالرئاسة والملك، ولست ممن يتكئون على سواعد الغير في النهوض والقيام، وإنما اتكالي على الله، ثم على سواعدنا يتكئ الآخرون، ويستندون، إن شاء الله). وأعلن الملك عبد العزيز توحيد كافة المناطق في دولة جديدة هي المملكة العربية السعودية، وتولى مهمة دمج أبناء شعبه في مملكة موحدة، وسَخَّر التقنية الحديثة لضمان تحقيق الرخاء، فبدأ في توزيع المضخات لاستخراج الماء، وكَثَّر المشاريع المائية الطموحة، والمسح الجغرافي، فكثرت المصادر المائية هنا وهناك، وأُعدت المستودعات الجوفية وقنوات جلبت المياه النقية إلى جدة والحجاز. واستُجلبت المحاريث الزراعية والبَذَّارات والحَصَّادات، والعديد من المضخات إلى الخرج؛ ليتدفق ماؤها إلى عشرين كيلو مترًا من قنوات المياه، وغذت المياه مزرعة جديدة للأبحاث كانت مهمتها تحديث الزراعة وتدريب الفنيين. ثم استُجلبت الشركات للتنقيب عن النفط، والثروات المعدنية، فمنح الملك عبدالعزيز الامتياز لشركة استاند أويل أوف كاليفورنيا الأمريكية وقد دفعت خمسين ألف جنيه ذَهَبًا مقدمًا، مع ميزات أخرى، وأمر الملك وزير المالية بتوقيع الاتفاق. ورغم اكتشاف النفط بكميات كبيرة عبر مياه الخليج العربي في البحرين مضت خمس سنوات دون نجاح في اكتشاف النفط، وبالحفر لعمق يصل إلى نصف ميل زيادة على ما قُدِّر تَفَجَّرت ينابيع النفط في بئر رقم 7 بكميات كبيرة. وفي العام الذي يليه 1358ه/1939م زار الملك عبد العزيز المنشآت في الظهران لافتتاح الصمامات وتحميل الناقلة الأولى، ومع دوران عجلة التقدم ظلت المملكة العربية السعودية مثلما كانت دائمًا تهتدي بالإسلام وحده، وكان التعامل مع العالم الحديث يقتضي نمطًا جديدًا من التعليم يتجاوز الأساليب السائدة آنذاك، فقد كانت القليل من المدارس في الحجاز، ولم يكن في نجد إلا الكتاتيب، ومع وصول أول عائدات النفط أسست دار التوحيد في مدينة الطائف، وهي مدرسة داخلية تدرس العلوم الشرعية والرياضيات واللغات. اكتست مناطق مملكتنا الحبيبة التي تشرفت بالزيارات الميمونة حللاً بهيجة عطَّرتها وعاشت فرحاً غمر جنباتها وحبَّاً وولاءً وطاعةً وفخراً واعتزازاً سطَّر معه الأهالي جميل تعبيراتهم ترحيباً بقدوم المليك المفدى واستبشاراً بما يحمله هذا القائد العظيم من خير ونماء للوطن وأهله ورغم اتساع حجم الدولة والتحديات التي كان على المؤسس مواجهتها فإنه لم ينس واجبه أبدًا تجاه الحرمين الشريفين، فخطب خطبة في الحرم المكي قائلًا: «في هذه البقعة المباركة جعل الله بيته العتيق، في كل هذه البقع الشريفة بعث الله أنبياءه ورسله ونبيه محمداً صلوات الله وسلامه عليه؛ لذلك كان الواجب علينا وعلى المسلمين عامة وفي هذا البلد الأمين خاصة والبلاد الأخرى عامة التناصح للدين وإظهار الدعوة إلى الله وإعلانها، وإني من موقعي هذا من بلد الله الحرام أدعو المسلمين عامة لتدبر حقيقة الدعوة المحمدية والتمسك بها»، وأضاف: «إذا كنا نريد اجتماع كلمتنا وتوحيد شؤوننا وحفظ جماعتنا فليس لنا جامعة نجتمع عليها إلا جامعة الكتاب والسنة». فرحب الملك عبد العزيز بالحجاج في مكةالمكرمة في خطاب فريد، إذ كان يدرك أن أهم مسؤولياته هي ضمان أمن الحج وسلامة الحجاج، وفي ذلك الوقت 1357ه /1938م شرع في توسعة المسجد الحرام، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تشهد فيها ساحة الحرم توسعة كان آخرها قبل أربعمائة عام، وشَيَّد المؤسس مدينة الحجاج في جدة ولا يزال الحجاج ينزلون بها حتى اليوم، أرسى كل ذلك مكانة الملك بصفته الملك العربي الرائد. يقول الملك عبد العزيز: «لا يغمض لنا جفن دون أن نفكر في جميع المسلمين فنحن قلقون على إخواننا السوريين وإخواننا الفلسطينيين وعلى أشقائنا في العراق ومصر نحن مهتمون بأوضاعهم وهمنا هو همهم». وفي الوقت الذي كان فيه معظم الوطن العربي يرزح تحت وطأة الاستعمار أصبحت المملكة العربية السعودية حصن الاستقلال العربي وقلب العالم الإسلامي، لقد كرَّس سلطته وقوته حتى آخر لحظة لخدمة دينه الإسلامي الحنيف. فكان - رحمه الله - كالراعي الشفيق على إبله، رفيقٌ بها، يرتاد لها أطيب المرعى، ويذودها عن مراتع الهَلَكة، ويحميها من السباع، ويكنّها من أذى الحرّ والقرّ، كان أبًا حانيًا، سعى لأبناء وطنه صغارًا، وعلَّمهم كبارًا، واكتسب لهم في حياته، وادَّخر لهم بعد مماته، سهر بسهرهم، وسكن بسكونهم، وفرح بعافيتهم واغتمَّ بشِكَايتهم، كان وصِيًّا لليتامى، وخازنًا للمساكين، ربّي صغيرهم، واحتمل مؤنة كبيرهم، فصَلَح أبناء وطنه بصلاحه، كان قائمًا بين الله وبينهم، سمع كلام الله وأسمعهم، ونظر إلى الله وأراهم، وانقاد إلى الله وقادهم، وجاء أبناؤه من بعده -أيدهم الله- فساروا على ذاك النهج القويم. وهذا سليله من بعده، ومقتفِي أثره، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله ورعاه- توَّلى مقاليدَ الحكم، فأصبح زمامًا للأمور، ونظامًا للحقوق، وقَوَّاما للحدود، وقُطبًا عليه مدارُ الدين والدنيا، وحِمىً لله في بلاده، نصر به مظلومهم، وقمعَ به ظالمهم، وأمَّن به خائفهم. ألهمته المشاريع المثمرة فألهمها بالمتابعة والاهتمام، إذ قطفت العقود الستة التي قضاها في إدارة الرياض زهرة شبابه، فصارت أنموذجًا فريدًا في أنظمة الحكم، عاصره وعاشه الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله -، منذ أن اعترك الحياة العملية مبكرًا، وهو شاب تحت العشرين من عمره عندما تولى شؤون إمارة الرياض، وسرعان ما تَبَدَّل حالها على يده، فاستحالت من قرية وادعةٍ واسم مجردٍ على خارطة شبه الجزيرة العربية إلى حاضرة واعدة من أزهى حواضر العالم تطورًا، حتى صارت مدينة عملاقة، وعاصمة دولية، تأسِرُ العالمَ بما جرى على أرضها من تطور سريع، جعلها في سنوات معدودة من أرقى وأشهر مدن العالم نظافةً وثقافةً وتنميةً وتطورًا حضاريًّا ورفاهيةً شاملةً، تواكب وزنها السياسي، يترجم الأرقام والإحصاءات، إلى واقع ملموس، في أسرع وقت ومن أقصر طريق، وهو ما جعل تجربته حاكمًا للرياض قرابةً خمسين عامًا، فريدة من نوعها، تستحق أن تُدرس في جامعات العالم. فأصبحت الرياض إحدى ثمرات سلمان الإنجاز. أما سلمان الإنسان فقريب من عائلته، أبنائِه وأحفاده، لا تشغله مهامه عن متابعتهم وتفقدهم، قريب من شعبه يعرفهم بأسمائهم وكناهم وقبائلهم، فتح قلبه ومكتبه ومنزله لسماع شكواهم وهمومهم، كما فتح لهم منزله للشفاعة والجاه والمساعدة المادية والمعنوية، يعرف جيدًا متى وكيف يصل إلى عقولهم وقلوبهم، لم يدَّخر وسعاً ولا وقتًا، ولم يألُ جهدًا، إذ سَخَّر كلَّ ذلك لخدمتهم، يسمع مطالبهم وشكواهم، عبر الاتصالات واللقاءات الدائمة والمستمرة، التي لم تقتصر على من يصل إليه أو يتصل به، بل كان يلتقي أيضاً بالمرضى والمعوزين، يذهب إليهم، ويزورهم، في المشافي والبيوت، وهذا شأنه وذلك ديدنه، وهو القائل: (ولا شك أننا بخير ما دمنا نخدم من يحتاج إلى الخدمة منَّا في هذا المجتمع الكبير، المجتمع العظيم الذي قام على الخير والمحبة والتعاون والتي هي من أسس ديننا الإسلامي الحنيف). وما زياراته وجولاته الحالية التي يقوم بها إلا خير شاهد على حديثنا هذا، فهو يؤمن أن ما بينه وبين المواطن والمقيم، يتجاوز علاقة الحاكم والمحكوم، متمثلاً في هذا قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «عدل ساعة في حكومة خير من عبادة ستين سنة». وهو القائل: (إننا على ثقة بقدرات المواطن السعودي، ونعقد عليه، بعد الله، أمالاً كبيرة في بناء وطنه والشعور بالمسؤولية تجاهه، وإن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، ونتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن). فقلّده الله أَزِمَّةَ حُكمه، وملّكه أمور خلقه، واختصه بإحسانه، ومكّن له في سلطانه، فهو من الاهتمام بمصالح رعيّته، والاعتناء بمرافق أهل طاعته، بحيث وضعه الله من الكرامة، وأجرى عليه من أسباب السعادة لهذه البلاد المباركة ما لا ينكره إلا من بعينه رمد. كما شهد بذلك كل من أقام في الرياض وغيرها من جاليات أجنبية وعربية، فما من مقيم طرق بابه طالبًا إنصافه، إلا واستجاب له الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - ، آمرًا المسؤولين، بالنظر في أمره، نال بذلك كله المكانة العظمى في قلوب المقيمين قبل المواطنين، وجعله بتراكم سنوات العطاء والعمل من أرض الواقع والميدان، حاكمًا ذا تاريخ طويل حسمًا وعدلاً وإنصافًا، شهد بذلك القاصي قبل الداني بمواقف جريئة وشجاعة، وأعمالٍ أفصحَ لسانُ حالِها عن فاعِلِها. ويأتي عمل الخير في الذروة، فهو أبو الأيتام، رفيق الضعفاء والمساكين، ومنذ نحو ستين عامًا وهو يترأس عددًا من الجمعيات الخيرية وكثيرًا من أعمال الخير والبر، كما أنه في صلة الرحم مضرب المثل وأعماله الجليلة في هذا أكثر من أن تحصى أو أن يدلل عليها، فقد كان واصلاً رحمه قريباً من أفراد أسرته يكثر زيارتها فيتفقد أحوالها ويعود مريضها ولا تزال مواقفه العظيمة مع إخوانه وأخواته وخدمتهم ورعايتهم إبان ظروف مرضهم رحمهم الله، مثار فخر واعتزاز بإنسانية مثلى سكنت بها محبته قلوب الناس. وإننا عندما نعدد مفاخرنا بهؤلاء القادة الأفذاذ، ونعدد مآثرهم لنؤكد على أن هذا علامة ظاهرة ودليل قوي على استمرار النهج بإذن الله تعالى وبملامح مستمرة وأفعال متكررة وصفات واحدة ونتائج متصاعدة، نحو الفأل العظيم والأماني العالية لهذا الحكم الفريد والنهج المستمر والأسرة المباركة التي يخرج الناشئ فيها ناضجاً مقتدياً بآبائه وأجداده، الذين يدعمهم تاريخ أسرة عظيمة بقادتها الأفذاذ ورجالها العظماء ونسائها المُلْهِمات، ضاربٌ هذا التاريخ أطنابه في القدم والثبات كالجبال الراسيات، حافظاً هذا الناشئ في ذاكرته مفاخر لم ترسم صورتها إلا أسرة آل سعود، متشرباً طباعها الحميدة وأفعالها الجليلة في بناء إنسان هذا الوطن الغالي، بناءً يليق بمن كرمه الله بأرض مباركة وقيادة حكيمة وخصائص فريدة، لقيت على مر العصور التي حكمت فيها هذه الأسرة العريقة، كلَ العناية والرعاية في سبيل المحافظة عليها وجَعْلِ من ينتسب لها مميزاً ذا شخصية تحمل كل صفات الفرادة بين بني البشر. وها هو الفأل يعلو ويتصاعد والأماني تزداد وتقوى بأن هذه الأسرة وهذا النهج محفوظ بحفظ الله تعالى، وأن هذه الصور التي يتجدد ظهورها ما هي إلا علامة خصنا بها المولى جل شأنه ولعلها أن تكون إكراماً لنا على تمسكنا بديننا الحنيف وشريعتنا السمحة وعقيدتنا الصافية وتوحيدنا الخالص وعبادتنا الصادقة وقيمنا الرفيعة وأخلاقنا الفاضلة وعاداتنا الحميدة وتقاليدنا المحافظة وطاعتنا الواجبة ولحمتنا الفريدة، ومن هنا كان ظهور شخصية عظيمة ورثت المجد الرفيع من والده المتفرد بالحزم والعزم وصدق الإرادة والوفاء، وجده المتفرد بالمجد الذي ذاع صيته في الافاق والذكرى الخالدة التي توارثتها الأجيال، إلا أكبر دليل على العناية الإلهية التي شملتنا في عالم متغير مليء بالصعوبات والتحديات للحفاظ على المكتسبات وصنع مستقبل أكثر إشراقاً.. تلك هي شخصية صاحب الهمة التي تتجاوز السحاب والعزيمة التي تتخطى الصعاب، وذلك هو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الذي حباه الله صفات القيادة والشجاعة والحكمة وصواب الرأي وحسن الإدارة، وكان ظهوره في وقت نحن أحوج ما نكون إلى مثله، فكان نعم العضد لوالده العظيم، ونعم المساهم في تنمية وطنه والمخطط لمستقبله، وكان ظهوره كذلك دليلاً على عراقة أسرته وتجددها ودوام حكمها لهذا البلد المبارك، ولست هنا بصدد تعداد مناقبه فهي أكثر من أن تحصى ومعلومة للجميع فهو ملء السمع والبصر، وإنما أستكمل ما بدأته من الحديث عن فرادة هذا الحكم وبركة نهجه وتجدد شخصياته، وتلاحمهم مع شعبهم الوفي وولاء شعبهم الصادق لهم، ذلك التلاحم الكبير والولاء العظيم الذي يتجلى في أبهى صورة وأجمل منظر في مناسبات الوطن وأفراحه، وذلك القرب الذي ولد محبة لانظير لها ووفاءً لاحدود له، وكل هذا وأكبر وأعظم وأبلغ ظهر في مشاهد هذه الزيارات الملكية الشامخة المهيبة واللقاءات المبهرة والصور البديعة والمناظر الخلابة لجموع المواطنين مع مليكهم المفدى وسمو ولي عهده المحبوب، ولعل واحداً من أنماط العمل في جدول تلك الزيارات الميمونة يدلل على قوة وصدق وثبات حقيقة النهج الواحد المستمر وأنه وإن ورث الحكم قائد فالتزامه بالنهج ثابت ومُقدم، ولهذا كانت زيارات سمو ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الودية واستقبالاته لبعض الأهالي والأعيان من هذا الباب، وقد جاءت لتؤكد قرب القيادة السعودية من شعبها، ولتحمل في مضمونها أجمل معاني الوفاء من الأسرة المالكة لكل من شارك في بناء الوطن منذ عهد الملك المؤسس. ولهذا، وعندما تدلهمُّ الفتن ويتكاثر الأعداء ويزداد الحمل الثقيل على القائد المظفّر فالشعب السعودي الأبي الأصيل يقول لخادم الحرمين الشريفين «سر أيها الوالد القائد ونحن خلفك سائرون مطيعون»، وهو في ذلك - حفظه الله- واثق بشعبه إذ يقول: (إن الأمن نعمة عظيمة وهو الأساس في رخاء الشعوب واستقرارها، وعلى الدوام أظهر المواطن السعودي استشعارًا كبيرًا للمسؤولية وشكَّل مع قيادته وحكومته سدًّا منيعًا أمام الحاقدين والطامعين وأفشل بعد توفيق الله الكثير من المخططات التي تستهدف الوطن في شبابه ومقدراته). نسأل الله أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه وأن يحفظهم من كل سوء ومكروه، وأن ينصرهم على من عاداهم، وأن يعز بهم الإسلام، ويعزهم بالإسلام، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه. * مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عضو هيئة كبار العلماء رئيس المجلس التنفيذي لاتحاد جامعات العالم الإسلامي أ. د. سليمان بن عبدالله بن حمود أبا الخيل *