سوف نقتصر في ردنا على الطلب التركي المتعلق بتسليم المتهمين في قضية الصحفي السعودي بالرد من الناحية القانونية البحتة، مستبعدين بذلك التفسيرات السياسية لمثل هذه المطالبة. تعد المطالبة التركية المتكررة في هذه القضية مطالبة غير قانونية وغير مشروعة، وذلك لعدم توافقها مع أحكام ومبادئ قانونية عدة تجد إساسها القانوني في المصادر الرسمية والشكلية للقانون الدولي كالاتفاقيات والأعراف الدولية. حيث إن إحدى القواعد القانونية الدولية الآمرة، والتي تحظى بإجماع دولي من قبل أشخاص القانون الدولي، تقضي بعدم جواز إجبار أي دولة على تسليم متهمين أو مجرمين لدولة أجنبية أخرى، وذلك بصرف النظر عن مكان وقوع أو ارتكاب الجريمة، حيث إن هذا المبدأ وهو المبدأ المتعلق بالسيادة يعطي الدولة سلطة قانونية على رعاياها طالما أنهم داخل حدودها الإقليمية. ومما يجب الإشارة إليه هنا أن هذا المبدأ يطبق حتى في حالة لو كان المجرم أجنبياً، ولجأ بعد ارتكابه للجريمة إلى دولة أجنبية أخرى غير دولته، فما بالكم لو أن المتهم المراد تسليمه في هذه القضية عبارة عن مواطنين سعوديين، وهذا يجعلنا نشير إلى سند قانوني دولي آخر يمكن الاستناد عليه في رفض المطالبة التركية، وهذا السند جاء من مبدأ قانوني دولي معتبر ينص على حق الدول في رفض تسليم مواطنيها لدول أجنبية أخرى، وذلك لحمايتهم من تلك النظم القضائية الأجنبية، والتي قد تكون متحيِّزه ضد الأجانب، وعليه يكون امتناع الدولة في هذه الحالة عن التسليم جاء لأسباب متعلقة بحماية رعاياها. أما من الناحية الرابطة القانونية الجنائية بين المتهمين والضحية والإقليم، والتي يعني توافرها قيام الاختصاص الجنائي لدولة ما، فالمملكة العربية السعودية لها الحق الكامل في رفض المطالبة التركية، وهذا الرفض يجد أساسه -بالإضافة إلى اعتبارات أعمال مبدأ السيادة ومبدأ حماية مواطنيها من نظم قضائية أجنبية متحيزة- من تطبيق مبدأ الشخصية في القانون الجنائي العقابي والذي يرد كاستثناء معتبر على تطبيق مبدأ الإقليمية في القانون الجنائي العقابي، وهذا المبدأ قائم في هذه القضية، وذلك لكون الجريمة قد ارتكبت من قبل متهمين يحملون الجنسية السعودية عادوا إلى أراضي المملكة العربية السعودية بعد ارتكابهم للجريمة، كما أن الضحية نفسه يحمل الجنسية السعودية، وهذا مما يعزز تفسيرنا القانوني في قيام مبدأ الشخصية والذي يعطي المملكة العربية السعودية الحقية الكاملة في محاكمة المتهمين أمام قضائها الوطني بدلاً من القضاء التركي. بالإضافة إلى تطبيق مبدأ الشخصية، يمكن تطبيق مبدأ العينية في هذه القضية، وهو المبدأ الذي يعد استثناء آخر على مبدأ الإقليمية، فالقضية هنا تعد من القضايا الحساسة والمتعلقة بأمن دولة، فالجريمة ارتكبت في قنصلية سعودية ومن قبل أشخاص ينتمون لكيان أمنى مهم وحساس كما أن الضحية نفسه سعودي مما يستدعي تطبيق المبدأ العيني بدلاً من المبدأ الإقليمي. وتفسيرنا هذا يتوافق كلياً مع نص الفقرة الرابعة والخامسة من المادة الثالثة في النظام السعودي لجرائم الإرهاب وتمويله. كما لا ننسى أيضاً أن القضية قد بدأ تحريكها إجرائياً في المملكة العربية السعودية من قبل النيابة العامة مما يجعل القضية أقرب للاختصاص السعودي من التركي. وفي الختام وبناءً على الأسانيد القانونية الموضحة أعلاه، يتبين لنا أنه لا يوجد أي أساس أو مسوغ قانوني للمطالبة التركية المتكررة بتسليم المتهمين للمحاكمة في تركيا، فمثل هذه المطالبة تفتقر للأسس القانونية والشرعية. * أستاذ القانون الدولي المساعد