إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإن على فراقك يا محمد لمحزونون، بهذه الكلمات الحانية والعبارات المؤثرة عزّى النبي الكريم نفسه برحيل ولده. ونحن هنا نعزيكم ونعزي أنفسنا برحيل الشيخ التقي النقي الزاهد محمد بن عبدالرحمن الجماز، رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه دار الرضوان. إن رحيل الصالحين عن هذه الحياة مصاب جلل وخطب عظيم يصنع فراغاً واسعاً من الصعب جداً تعويضه. وذهاب الأخيار من أهل السنة دلالة واضحة على قرب الساعة كما دلت بذلك الأحاديث الصحيحة والصريحة. والإخبار بموتهم يشكل حزناً عميقاً وألماً طويلاً يصوره أيوب السختياني - رحمه الله - حين قال: «إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة وكأني أفقد بعض أعضائي» بالأمس ودعت شقراء أحد العباد الصالحين من أهل السنة أحسبه كذلك والله حسيبه إنه الشيخ الوقور محمد بن عبدالرحمن الجماز، ودعناه بقلوب حزينة، ونفوس صابرة، وعيون دامعة. خرج من بيته متوكلاً على الله، وكان ذلك قبيل الظهر مستبشراً بنزول الرحمات وحضور البركات لينظر في آثار رحمة الله بعد نزول الغيث، ولكن الأجل سبقه فوقع أجره على الله، وأحسبه قد فاز بالثبات وبشارة الملائكة التي تستقبله عند الموت بعدم الخوف على ما تركه والحزن على ما هو آتيه، والبشارة الأخرى ببلوغ الجنة التي وعد إياها. الشيخ محمد - رحمه الله - كان له خصال حميدة، وهذا من توفيق الله له، لعلي أجملها هنا لتكون نبراساً لنا في الاقتداء والاهتداء من أبرزها: عفة اللسان، فيستحيل أن يجرح أحداً أو يتحدث في عرضه أو أن يقول فلان فيه وفيه، ولهذا سلمت جوارحه من الخوض في أعراض الناس متمثلاً توجيه نبيه الكريم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده). والشيخ محمد عرف عنه التبكير إلى الصلاة، حدثني من يعرفه جيداً يقول: لقد فقدنا عابداً تقياً كان من السباقين إلى المسجد يأتي مبكراً فيفتح الأبواب والأنوار ويهيئ المسجد للمصلين ثم يقف في الصف الأول ويؤدي السنة ثم يلتزم مصحفه ونظارته التي مازالت في المسجد تنتظره هذه حاله في كل صلاة، وكان يتعهد المسجد بما يحتاجه. وهنا يتوقف القلم لأجعل لأحبابه وأبنائه مساحة واسعة ليكتبوا لنا عن هذه السيرة الكريمة والحياة العطرة فأجزم أن لديهم أكثر مما عندي فلا تحرمونا من الدروس والفوائد عن هذه السيرة الرائعة ليستفيد منها النشء في مستقبل حياته. Your browser does not support the video tag.