على أنغام "نوح الحمام" حمل حجاج بيت الله الحرام حقائبهم مودعين مكة وأعينهم تفيض من الدمع، بعد أن منَّ الله عليهم بأداء الركن الخامس من أركان الإسلام. هديل حمام الحرم الذي لا يحتاج إلى ترجمان نغمته الحزن، كأن لسان حاله مردد: "وداعاً أيها الأحبة"، وهو يحلق فوق قوافل المغادرين، فعلاقته بالحجاج مملوءة بالحنين، يروونه كل عام، قبل أن يتضاعف في حناياهم عند الوداع، يشتاقون لهديله وتحليقه فوق رؤوسهم، ويشتاق لهداياهم التي ينثرونها في جنبات الصرعات المقدسة.. مشهد لا يرى إلاّ في رحاب المسجد الحرام وساحاته. رؤية "حمام الحمى" أو "حمام الحرم" مما يستمتع به حجاج بيت الله الحرام، وقد كثرت الروايات عن أصل حمام الحرم، فقد ذكر السيوطي أنّ أصل حمام الحرم هو من الحمامتين اللتين عششتا على الغار أثناء هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر الصديق، وحمام الحرم المكي هما من ذريتهما لذلك هم آمنون في الحرم، ولكن لا يوجد دليل قاطع على هذا الرأي، بينما جاء في رواية أخرى أن أصل حمام الحمى ليس من الحجاز ولكنه من أوروبا وهو موطنه الأصلي والذي قدم من أوروبا ليسكن البيت الحرام ويستوطن فيه وفي المدينةالمنورة والذي قد أعجبه الحياة في مكةوالمدينةالمنورة ليصبح من نسيج الحياة الاجتماعية للبيت المكي قديما، وهناك رواية تقول إن سلالة حمام الحرم المكي تعود إلى الطير الأبابيل والتي أتت من البحر وهي محملة بالحجارة في قدمها لردع أبرهة الأشرم عندما أراد أن يهدم الكعبة في عام الفيل. وامتاز حمام الحرم عن باقي الطيور في مكة بكونه "شديد الزرقة من رأسه لرقبته وطرف جناحيه وذيله الأسود، أما الجزء المتبقي من جسده فلونه أزرق يميل إلى البياض، وفي جناحيه وذيله خطان أسودان لا يوجد مثلهما في غيره". ووردت العديد من الأبيات الشعرية التي تغنى بها الشعراء في حمام الحرم، فللشاعر الكبير بيرم التونسي قصيدة شهيرة جاء على ذكر حمام الحرم في بعض أبياتها: فوقنا حمام الحمى عدد نجوم السما طاير علينا يطوف ألوف تتابع ألوف طاير يهني الضيوف بالعفو والمرحمة واللي نظم سيره واحد مفيش غيره Your browser does not support the video tag.