من الأمور الداعمة التي تجعل للقول قبولاً، المعلومة تنسب أو تحال إلى قائلها الأول، وكذلك الإسناد للأشخاص والأقوال والمواقف، وإضافة مساهمة أشخاص لعلهم يشاركون القائل فيما يقول، كلها من الأمور الداعمة والمؤكدة لما في القصص والقصائد من تفاصيل، وهي ميزة تزين المنطق والقول وتجعله مقبولاً وجذاباً، وترفع نسبة المصداقية فيه من خلال عدة جوانب أهمها المقارنة والمحاكاة، ومما يؤسف له أن بعض الناس اليوم ينسى هذه الميزة مع قدرته عليها، ويحاول أن يجرد حديثه من كل اسم سبقه أو شارك في المعاني أو اقترب من الأحداث التي يريد سردها، ويعتقد أن تفرده يضيف لقوله مكانة والعكس هو الصحيح. ولقد أخذ بعض الشعراء منذ القدم طريقة جيدة تستحق أن يشار إليها ويشاد بها، وتعد ضمن حفظ الحقوق سواء عنوا ذلك وقصدوه أو اعتبروه من عرفهم العام الأدبي والثقافي فقط، أو درجوا عليه باعتباره من الأساليب الجيدة المؤدية إلى جودة المادة المقدمة للمتلقي، وقد حققت بالفعل هدفاً سامياً وهو تقدير سبق الآخرين وأحقيتهم، وهذه الطريقة هي: إحالة المعنى أو العبارة وصياغتها أو المشهور إلى من سبقهم إليه، حتى ولو لم يكن ذلك الشيء نادراً أو مميزاً ولا شبيه له. حيث تعد من الإيجابيات التي تندرج ضمن حفظ الحقوق بالفعل ولو كانت بسيطة في الوقت الذي ما كان القاص والإخباري والشاعر ولا ناقل المعلومة يهتم كثيراً بمعلومته أين ذهبت ولا من أين أتى بها ما لم يسأله أحد عن ذلك، فالمجالس قديماً - والرواية كانت أبسط من أن تقف عند كل صغيرة وكبيرة - تحيلها لمرجع وتذكر لها مصدراً، وكانت تروى القصائد ويتم تداول كثير من المعاني أيضاً مع العديد من التشابه بينها والتقارب حد التطابق ولا حرج في ذلك. وأما إحالة بعض المعنى وإسناده فيعد من أساسيات امتداد القصيدة، والامتداد جزء من التقوية لها وانضمامها للمجموع العام الذي يعطيها الثقة وفي الوقت نفسه الاندماج، كما أن ذكر المصدر والمرجع وتقوية القصيدة بشواهد مسبوق عليها الشاعر تعد أيضاً من صميم أمانة الشاعر من جهة، ومن جهة أخرى تجعل للقصيدة قبولاً وللقائل حضوراً. يقول الشاعر مشعان بن مغيلث بن هذال: اللي يريد الجود ماهوب مردود شوف العيون ولا يريد الدلالة يرخص بعمره يوم يروي شبا العود أيضا ولا يبخل على من عنى له كم واحد من نشوته ما ادرك الجود ولا هام هومات المراجل بباله هذاك لا يبغى ولا هو بمفقود ودك مع الخفرات يلبس دلاله يالعبد لا يطغيك في نفسك الزود تراك مثل الفي عجل زواله دنياك لو تعطي مواثيق وعهود بواقة ما يامن العبد جاله أيضا ولا دامت لكسرى وداود كم أذهبت حيِّ تحطه قباله يالله بحق اللي سعوا له على القود وكل يوفق عند ربه عماله ثم تأتي قصائد تحيل عليه المعاني باعتباره سبق إلى شيء من المعنى، فيقول الشاعر ماجد الرشيد في بيت له: دنياك هذي مثل ما قال مشعان وأنا به أبخص من طبيب عريفي ويقول الشاعر عبدالمحسن الهذيلي محيلاً المعنى لمن سبقه: مر قبول ومر تعطي مقاريش عجل زواله مثل ما قال مشعان ويقول الشاعر بركات بن مبارك الشريف في قصيدة له يحيل المعنى للتميمي باعتباره سبق إلى المعنى: قلته على بيت قديم سمعته على مثل ما قال التميمي لصاحبه إذا الخل أورى لك صدود فأوره صدود ولو كانت جزال وهايبه والتميمي هو عبدالرحيم، الملقب بالمطوع، من أشيقر، حيث يقول: يقول التميمي الذي شب مترف مدا العمر ماش في زمانه جاه ياركب ياللي من عصير تقللوا من نجد للريف المريف مداه تحدروا من جو عكل وقوضوا على كل هباع اليدين خطاه إلى أن قال - وهو الشاهد -: «من باعنا بالهجر بعناه بالنيا ومن جذ حبلي ما وصلت رشاه» «الاقفى جزا الاقفى ولا خير في فتى يريد هوى من لا يريد هواه» ناصر عبدالله الحميضي Your browser does not support the video tag.