ورد في كتاب الأغاني 16/903 (طبعة الساسي) أن حيّاً من العرب في الجاهلية آذوا المسلمين فغزاهم المسلمون وأخذوا منهم أسرى، قال: فقامت جارية فقالت: «يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد، لاتشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي، كان أبي يفك العاني، ويحمي الذمار، ويقري الضيف، ويُشبع الجائع، ويُفرّج عن المكروب، ويطعم الطعام، ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت حاتم الطائي.. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جارية، هذه صفات المؤمن، ولو كان أبوك أسلم لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكام الأخلاق». فكتبت لأخيها عدي - وكان قد هرب للشام وتنصر - وذكرت بعضاً من عظمة خلق الرسول، فرجع عدي وأسلم وحسن إسلامه. قلت: والرسول صلى الله عليه وسلم يقول «الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» ومنزلة مكارم الأخلاق في الإسلام الحنيف أشهر من أن تذكر.. ولكننا نذكر بعض الأشعار التي يُمَجِّد فيها أصحابها كريم الخلال والخصال وحسن الأخلاق ويفخرون بها، وقد كان العرب - بشكل عام - يعشقون مكارم الأخلاق كالكرم والشجاعة والشهامة والوفاء والصدق والبشاشة.قال الأعرابي: «بُنِيَّ إنّ البر شيءٌ هيِّن وجه طليق وكلام لين» ومعنى (هين) هنا دان قريب سهل المتناول لمن وفقه الله، فإن الابتسامة والبشاشة أسهل من العبوس والجهامة، وهي تسعد صاحبها وتسعد غيره.. ويقول شاعرهم: «أُضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف كثرة القرى ولكنما وجه الكريم خصيب» ويقول عن الصحبة والوفاء والاحسان كصفة ذاتية محببة: «وكنت إذا صحبت خيار قوم سحبتهم وشيمتي الوفاء فأحسن حين يحسن محسنوهم واجتنب الاساءة إن أساءوا» وللبختري بن أبي صفرة: «وإني لتنهاني خلائق أربع عن الفحش فيها للكريم روادع حياء وإسلام وشيب وعفة وما المرء إلا ما حبته الطبائع» ومما ينسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: «إن المكارم أخلاق مطهرة فالدين أولها والعقل ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والصدق سادسها والبر سابعها والصبر ثامنها والشكر تاسعها واللين باقيها» ويقول حسان بن ثابت رضي الله عنه: «أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال احتال للمال إن أودى فأكسبه ولست للعرض أن أودى بمحتال» وللحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس ويقول سالم بن وابصة: «أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه كأن به عن كل فاحشة وقرا سليم دواعي الصدر لا باسطاً أذى ولا مانعاً خيراً ولا ناطقاً هجرا إذا ما أتت من صاحب لك زلة فكن أنت محتالاً لزلته عذرا غنى النفس ما يكفيك من سد خلة وإن زاد شيء عاد ذلك الغنى فقرا» ولابن مرة المكي: «ولم أر كالمعروف: أمّا مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل» * * * كذلك سار شعراؤنا الشعبيون يمجدون مكارم الأخلاق ويفخرون بها ويحضون عليها.. يقول الفارس مشعان بن هذال (1209-1240): «المرجلة حبله طويل وممدود يا كود من تقصر عن الما حباله اللي يريد الجود ما هو بمردود شوف العيون ولا يعوز الدلاله يالعبد لا يطغيك في نفسك الزود دنياك مثل الفي عجل زواله» (والمرجلة) ( تعبير شعبي تختصر مكارم الأخلاق وحسن التصرف.. ولحميدان الشويعر: «أربع يرفعن الفتى بالعيون الظفر والكرم والوفا والصلاح» ويقول: «وأنا أحب يوم ما أجي فيه مذنب ولا ينب مفراح ولا بجزوع» ولراشد الخلاوي: «لا تاخذ الهزلى على شان مالها ولا تقتبس من نارهم بالوقايد لا تاخذ إلا بنت قوم حميده عسى ولد منها يجيب الحمايد يجزى عمل راعي الحساني بمثلها ويجزى عمل راعي النكد بالنكايد ولا تسفه المنيوب الى جاك عاني إياك يا ولدي ومطل الوعايد فلي من قديم العمر نفس عزيزه أعضً على عصيانها بالنواجد قد أوزمتها ما كان خوف الى بقي عليّ من ايام الردى أن تعاود ويا طول ماوسدت راسي نكاده من خوفتي يعتاد لين الوسايد ومن تابع المشراق والكن والذرى يموت ما حشت يديه الفوايد»