مما يؤكد أثر البيئة والمحيط، أن أكثر الشعر الأندلسي أنيق رقيق، مُخَضّب الألوان، مُخَضّل بأبهى الورود، مخلّط بأرقى العطور، مغسول بماء السماء، ومغزول من ألوان قوس قزح، تفوح منه روائح السعادة، وتبوح خلاله همسات الحب، وتذوب فيه القلوب، فيرق معه الحس، وتبتهج له النفس، وينم عنه نسيم النعيم مُحَمّلاً بأزكى روائح الخمائل المخضلّة بالماء والزهور والطيور والمسطحات الخضراء المزدانة بالورود من كل شكل ولون، في موشحات موشاة بالعذوبة محلّاة بالجمال، تُغنِّي في الفضاء الشعري بدون المُغنِّي، وتصدح بالموسيقى دون يختٍ أو فرقة.. هي بذاتها أغانٍ خالدات وأجراس مطربات وظباء هاربات من (الفردوس المفقود).. وأجمل موشحة أندلسية ما أبدعه الوزير بن الخطيب: جادك الغيث إِذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأَندلسِ لم يكن وصْلُك إِلاّ حُلُمًا في الكرى أَو خُلسة المختَلِسِ إذ يقود الدّهرُ أَشتاتَ المُنى ينقلُ الخطوَ على ما يرسمُ زُمَرًا بين فُرادى وثُنًى مثل ما يدعو الوفودَ الموْسمُ والحيا قد جلَّل الرّوض سنا فثغور الزّهرِ فيه تبسمُ وروى النُّعمانُ عن ماءِ السّما كيف يَروي مالِكٌ عن أنَسِ فكساه الحُسن ثوبًا معلما يزدهي منه بأبهى مَلبسِ في ليالٍ كتَمَتْ سرَّ الهوى بالدُّجى لولا شموس الغُرَر مال نجمُ الكأس فيها وهوى مستقيمَ السّيرِ سَعْدَ الأَثَرِ وطَرٌ ما فيه من عيبٍ سوى أَنّه مرّ كلمْح البصَرِ حين لذّ الأُنس شيئًا أَو كما هجم الصّبحُ هجومَ الحرَسِ غارت الشهْبُ بنا أَو ربّما أَثّرت فينا عيون النرجسِ أَيّ شيءٍ لاِمْرئٍ قد خلُصا فيكون الرّوضُ قد مُكِّن فيهِ تنهب الأَزهار فيه الفُرصا أمِنَت من مكره ما تتّقيهِ فإذا الماء تناجى والحصى وخلا كلّ خليلٍ بأخيه. Your browser does not support the video tag.