كان جحا مخالفاً لطباع الناس المعتادة، وذا سيكولوجية تتباين من وقت لآخر، إنه بالفعل حالة بشرية فريدة من نوعها، إذ يبدو لك أحياناً أنه ذكي جداً، ثم لا تلبث حتى تصفه بالحمق المركّب، وبعد وهلة تتراجع لتنعته بالمراوغ الكبير. خُذ على سبيل المثال مسماره خالد الذكر، فَمَن غير جحا يستطيع أن يجعل من مسمار لا يتجاوز حجمه عود الثقاب، رواية تتناقلها الأجيال، وربما أكثر من هذا! فالمسمار لمن لا يعرف خبره، كان مغروساً في أحد الجدران داخل بيت جحا، وحين عزم جحا على بيع بيته، اشترط على المشتري ألاّ يزيل المسمار، بل واستثناه من المبيع، لتبقى ملكيته عائدة إلى جحا دون البيت، فوافق المشتري باعتباره أمراً وقتياً سرعان ما يزول، وكان لجحا ما أراد، فبعد أن نزل الرجل في بيته، أصبح جحا يأتي لرؤية مسماره كلما أحب، ويظهر لي أنه كان محقاً، فينبغي على الرجل أن يتفقد ممتلكاته ويتلمس احتياجاتها، حتى وإن كانت في بيوت الناس، ولكن ليس لدرجة أن تأتي في اليوم مرتين يا جحا، بل تختار أوقات الطعام لتشارك الرجل في مأكله ومشربه!! - هذا ما كان يردده أهل القرية - وبالرغم من هذا لم يعير جحا كلام الناس ولمزهم أي اهتمام، معللاً حقه في رؤية مسماره العزيز والاطمئنان عليه، حتى ضاقت بالرجل ذرعاً فترك المنزل بما فيه وهرب، وبعد حين قيل إن جحا استعاد بيته أو الذي كان بيته بالأحرى، حتى لا يكون مأوى للأشباح وقطّاع الطرق، وخيراً فعلت يا جحا، فلم يكن ينقص المدينة إلاّ أشباه هؤلاء حتى نوفر لهم بيوتاً مجانية، وفيها مسمار أيضاً !! أخذ جحا مالاً لقاء بيته دون أن يخسره، ألم أقل لكم أنه يبدو أحمق وذكياً في آن، وربما لئيماً عند آخرين، أقصد المسمار... لا تذهبوا قريباً. جحا مات، فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما كانوا يعملون، ولكن هل المسمار مات؟ فرائحته مازالت تفوح، وساكنه ينوح، أو إنه تناسل فتكاثر، والعرب تقول (من خلف ما مات)، وإن أردت فابحث في المحيط المجاور لبيتك، ستجد ثمة مكاناً يعطيك ما تريد، ومع كل عطيةٍ مسمار، ولكن انتبه! يجب أن تسأل عن نَسَب المسمار وعن أصله وفصله، قبل أن تقبله تحسبه من عامة المسامير، لأنه إن كان ذا شرف رفيع، من سلالة مسمار جحا الوديع، فستهرب وتترك البيت!! يا عزيزي عند أسرة المسامير تحديداً ركز على الرعاع. كي لا أنسى سأخبرك شيئاً عن علم الوراثة الجيني، تشير الأبحاث أنه كلما تزاوجت الخلايا التي تنتمي لسلالة واحدة، كلما تأصّلت الغرائز والطباع لدى الأبناء، وعبر الأجيال يكون الأثر أكبر، وربما الحجم كذلك، فإن كنت تظن أن أقصى ما يمكن أن يفعله المسمار الحفيد لن يتجاوز مآثر جده، فقد جانبك الصواب، فلا علم الوراثة يوافقك على هذا، ولا بنك الدم!! Your browser does not support the video tag.