عندي أوقات محددة لمشاهدة التلفزيون، وما يعرض من الأخبار والتقارير المصورة والمسلسلات والأفلام، وهذه الأوقات عادة ما تتقلص في شهر رمضان، ولأنني أحب الدراما، فقد حرصت قدر الإمكان على مشاهدة عشوائية، لأربعة مسلسلات هي على التوالي: «عوالم خفية «من بطولة عادل إمام، و»العاصوف «من بطولة ناصر القصبي، و»رحيم « من بطولة نادر جلال، و»طايع « من بطولة عمرو يوسف. والمسلسلان الأخيران في هذه المسلسلات حفلا بالدم والمخدرات وغسل الأموال وحروب الثأر، ورغم ذلك فقد حفلا أيضاً بالتشويق، لكنني سوف أتركهما لأعرج على مسلسل «عوالم خفية «، الذي اعتبره علامة جديدة من علامات عادل إمام العديدة، فقد بعد هذا المسلسل عن الإسفاف، الذي غرقت فيه المسلسلات الرمضانية، وهو يقدم لنا الصحافي العتيق، الذي لم يبعده تاريخه، عن الجري وراء كل غامض، من القضايا التي طويت أوراقها ونسيها الناس، ليعيدها إلى الأضواء منتصراً بذلك، لكل من داسته الأقدام من الأبرياء، حتى الكوميديا في هذا المسلسل كانت راقية. أما مسلسل «العاصوف « فليس له من هذا الاسم الذي يذكرنا «بعجة إبليس» النجدية نصيب، لكن النصيب كان لمن علقوا عليه، وبعض هؤلاء في نفسه شيء من ناصر القصبي، وبعضهم يندرجون تحت المحافظين، وقد علق بعض هؤلاء على مشهد الطفل اللقيط، وبعضهم على مشاهد الغزل والطرب واللهو، مع أنهم يعرفون ونحن نعرف أن أي مجتمع مهما طهر، لن يسلم أو يخلو من مثل تلك الممارسات المدانة. لقد وصلتُ إلى الرياض للدراسة في نفس العام، الذي بدأت فيه أحداث المسلسل 1970، وعشت تلك المرحلة بكافة تفاصيلها، وليس في مسلسل العاصوف شيء لم يكن موجوداً، بل إن المسلسل أهمل أشياء كانت موجودة، وأغفل منها الكثير. والحرية الثقافية والنقد الحاد لكافة الممارسات والأخطاء الاجتماعية والخدماتية والاقتصادية، ورغم كل هذه الحياة التي كانت مفتوحة بشكل عفوي، فإن المجتمع بصورة عامة لم يكن يعاني من مشكلات المخدرات والسرقة والرشاوى والتربح، كان مجتمعاً بسيطاً ينحو أفراده بخطوات متوازنة نحو الرقي المعرفي والعمراني. هذه الأشياء الجميلة التي عرضها مسلسل «العاصوف « سوف تنزل برداً وسلاماً على كل مَن راءها على أرض الواقع، ثم في المسلسل، إلا على الذين في قلبهم شيء. Your browser does not support the video tag.