لو كان المؤلف الراحل الدكتور عبدالرحمن الوابلي يشاهد أولى حلقات المسلسل الدرامي العاصوف، لطبع قبلاته على جبين أبطال العمل ومخرجه، كون رؤى المخرج المثنى صبح تكاملت مع وعي الممثلين بأهمية الرسالة الوطنية لهذا الإنتاج الضخم القائم على رصد وتحليل مؤلف معني بالانتصار للقيم الإنسانية وإعادة إحياء المجتمع السعودي السوي. حقاً انتصر الوابلي والقصبي والسناني والحبيب والسكيرين والكنهل للفن والحياة وللوطن. لم تكن الإشارة للعام 1390 بداية الحلقة عبثاً، إذ لا بد من وضع المشاهد أمام حقيقة مجتمع إنساني تعيش فيه الأسرة العنقودية بأجيال ثلاثة في منزل واحد، وتأكل من صحن، ينظر فيه أخو الزوج لزوجة أخيه كأخت. ويضع مشهد الحلقة الأولى لقيطا أمام المسجد، باعتباره يمثل الفكر الدخيل الذي اخترقنا من أطهر البقاع في الأرض (المسجد) فاحتضناه وربيناه على أن نتخذه ولداً ينفعنا، فكان الضر على يديه. لم يكن اختيار اسم (العاصوف) عبثاً فالعفوية والبراءة في أي مجتمع معرضة لعاصوف من الفكر العبثي أشبه بالريح المدمر لكل شيء، ليخل بتركيبته في سنوات معدودة، ويشتت شمل الأسر رغم ما بينها من تصالح مع العيش اليومي والصداقة والحب واحترام حقوق الجوار. وانتصر الوابلي بهذا العمل لقيم التسامح والتصدي للتطرف بجميع أنواعه، الديني والقومي وحتى القبلي والطائفي والتحزبي، الذي يبحث دوما عن ما يبرره نتيجة لتهافت منطقه، وسيفكك العاصوف ببنائه التصاعدي عقد المتطرفين النفسية وتشوهاتهم وضحالة تفكيرهم، وسيخرج المشاهد في النهاية بنتائج تتماشى مع آدمية عقله وسلامة منطقه. وسيرفض متابع المسلسل بموضوعية وبذائقة أن ارتهانه لماضوية المتطرف انتهى، ولن يجعله منطلقا لقناعاته وقاعدة لتحليلاته، لأن ذلك يوقعه في تصادم مع كل كيانات العصر ومؤسساته الحضارية، المتسابقة نحو فتوحات العلم والتقدم لرقي الإنسان وصيانة كرامته.