التغيرات المتسارعة في كل مجالات الحياة في هذا العصر كالثورة المعلوماتية، والتطور الاقتصادي والاجتماعي، والقفزة الهائلة في نظم الاتصالات وفضائيات الإعلام والإنترنت، وغير ذلك من مظاهر التغير اللامتناهية. أدت إلى التغيير والتأثير في حياة الإنسان وجعلته واقعاً لا محالة، فالتحول من حال إلى حال سواء إيجابيا كان أم سلبياً، هو المتغير الأكثر ثباتاً في المنظومة الكونية، «فالشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير المستمر» كما يقول هيراقليطس. والتغيير نوعان: تغيير يحدث على نحو مفاجئ وقاطع تكون نتائجة مرتبطة بما سيواجهه من ظروف محيطة، والآخر تغيير، قائم على فكر وتدبر مسبق ونتائج محسوبة ويسهل السيطرة على ظروفه. إن مجرد التفكير بالتغيير يمكن أن يكون مروعًا أو على الأقل مهيباً، كتغيير نمط الحياة ليكون صحياً. فقد يولد لدى الإنسان شعور مكتسٍ بالحرمان من ما هو مريح ولذيذ أو حق له، وتعاسة لما سيفقده أو سيفعله بتكرار معين، فيدفعه على حافة الانهيار وربما الرفض واللجوء لأي سلوك لتبرير حدوث ما قبل الانهيار والانتصار لذاته المكلومة بأفعال نهمة أو إهمال، ولا يهم إن كانت صحيحة أم خاطئة، وسيظل يدور الإنسان في دائرة من التبريرات لسلوكه حتى وإن كانت ردة الفعل غير محمودة لكنها مبررة ومشروعة أمام نفسه، هذا ينطبق على كل مناحي الحياة سواء في علاقاتنا مع الآخرين أو في تعاملنا مع ملذاتنا ورغباتنا أو أنماط حياتنا. يحاول العديد منا في مناسبات لا حصر لها لإدخال تعديلات بسيطة في الروتين اليومي أو الأسبوعي، وتبقى الاستمرارية هي المعضلة، إن معظمنا ليس لديه أدنى فكرة عما سيصل إليه عند وضع إلتزام ما فينقطع عن عمله. فما مدى صعوبة تخصيص ثلاثين دقيقة إضافية يومياً لممارسة بعض التمارين الرياضية أو شرب لتر من الماء يومياً أو تنظيف الأسنان بعناية أكثر ووقت أطول؟ هل هو كسل أم افتقار للإرادة؟. إن الانقطاع عن التغيير ليس له علاقة بالكسل أو قوة الإرادة؟ ولا يمكن اعتباره عيباً أو ضعفاً في الشخصية، بل التفسير الأكثر احتمالاً هو أن أدمغتنا لا تستجيب بمجرد التفكير بأمر ما. لذلك يمكن أن يكون التغيير لاتخاذ نمط حياة صحي تحديًا كبيرًا، يقول باس فيربانكن، أستاذ علم النفس في جامعة باث، إن تغيير العادات يكون تلقائياً، يحدث كجزء من التتابع اليومي. «فالعادات تحميك من التفكير» وتبرير اختيارات على أخرى، كما أن تفعيلها يكون من خلال مؤشرات في البيئة، مثل الوقت أو المكان. ثالثًا، وكل عائد له مكافأة: فعندما يبدأ دماغنا في توقع وتذوق المكافأة، فإنه يجعل السلوك تلقائياً. إن ما يغفل عن إدراكه الكثير منا، هو أننا نواجه سنوات من السلوك والعادات المكتسبة، فلا يعاني الفرد من زيادة الوزن أو التهاب المفاصل أو مرض السكري أو تسوس الأسنان بين عشية وضحاها، ومن العدل أن لا نتوقع أن نتمكن من تغيير كل ذلك في يوم أو أسبوع، أو حتى شهر واحد، فإن الأمر منوط تماماً بمدى معرفتنا لأنفسنا وترتيب أولوياتنا. فكلما زاد الوعي بما نريده حقًا، كلما زاد احتمال قيامنا بالخيارات والقرارات السليمة. فترتيب الأولويات، والوعي بما نعتقده ونظنه، واستخلاص استراتيجية للتطبيق هي المفاتيح لإجراء أي تغيير في نمط الحياة، فالصوم أكبر مثال على القرار الواعي واستجابة كل حواسنا له بمجرد الإمساك فجراً. Your browser does not support the video tag.