تعود جذور مواقف المملكة العربية السعودية المشرفة من القضية الفلسطينية إلى الاتصالات التي أجراها مؤسس المملكة، الملك عبدالعزيز بن سعود طيب الله ثراه، مع الحكومة البريطانية والحكومة الأمريكية في لقائه الشهير مع الرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945، حيث أكد الملك عبدالعزيز للرئيس الأمريكي، في ذلك الاجتماع، عروبة فلسطين وإسلاميتها، ورفضه القاطع الحججَ، التي تروج لها الصهيونية العالمية بحق فلسطين. وانطلاقاً من هذا النهج الثابت والسياسة الراسخة، استمر حرص المملكة في عهد أبنائه ملوك المملكة، وصولاً إلى العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على دعم القضية الفلسطينية، والوقوف إلى جانب فلسطين قضية وشعباً، ورفض أي سياسات ومواقف تتناقض، أو تمسّ الحق العربي والمصالح العربية المشروعة. كرست المملكة الجهود في دعم القضية الفلسطينية داخل أطر الأممالمتحدة، وعملت بكل قوة للتصدي للمحاولات الصهيونية، لترسيخ أسس إقامة دولتهم، أو الاستفادة من عضوية الأممالمتحدة. وبعد الاعتداء الإسرائيلي عام 1967 واحتلال الأراضي العربية، قامت المملكة بحملة سياسية مكثفة داخل الأممالمتحدة وخارجها لمواجهة هذا الاحتلال الغاشم. وفي ضوء المساعي التي بذلتها المملكة مع شقيقاتها الدول العربية والإسلامية والدول الصديقة، تعامل مجلس الأمن مع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية من خلال عدة قرارات في مقدمتها 233 و242، وجرى إقرار مبادئ السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط. كما أسهمت المملكة بقوة في استصدار قرار مجلس الأمن رقم 338 لوقف الحرب في عام 1973 بصورة كاملة. وكان ذلك لقرار المملكة وعزمها استخدام موردها الرئيس؛ وهو البترول كسلاح سياسي للضغط على الدول المؤيدة لإسرائيل. ولم تألُ الدبلوماسية السعودية جهداً في دعم القضية الفلسطينية في العمل لإيجاد حل عادل وشامل، يأخذ بعين الاعتبار الحقوق الفلسطينية المشروعة، والدفاع عن أرض العروبة ومقدساتها، حيث أولت المملكة اهتماماً واضحاً لتوحيد الرؤية العربية المشتركة، وتنسيق المواقف لدعم القضية الفلسطينية، والعمل على إيجاد حل عادل وشامل يحفظ الحقوق العربية وينقذ المسجد الأقصى، وذلك بطرح المبادرة العربية في مؤتمر فاس عام 1982، التي عرفت ب"مشروع الملك فهد" لاسترجاع الأراضي العربية المحتلة في المقام الأول، وتثبيت الأمن والسلام في الشرق الأوسط. واستمر الجهد السعودي بطرح المبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002، التي دعت إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، والانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة، مقابل علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل. إنّ ثبات مواقف المملكة وصدقية سياستها المعلنة يكاد يُلمس في كلمات المسؤولين بالمملكة ومواقفهم في المحافل الدولية، حيث استأثرت القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال المقيت، بالرعاية والعناية، فشكلت القضية الفلسطينيية جزءاً أساسياً من مضامين كلمات المملكة في أروقة الأممالمتحدة والمحافل الدولية الأخرى، ولم تخلُ كلمة من ذكر التأييد وتبني الدعم لفلسطين العربية، والتنديد بالاحتلال الإسرائيلي الغاشم والمطالبة بإنهائه. لقد اتسمت سياسة المملكة دوماً بالحكمة وسداد الرأي وتسخير إمكاناتها في خدمة القضايا العربية والإسلامية. والمتتبع لمواقف خادم الحرمين الشريفين سيكون على يقين بأنّ هذه المواقف ليست حدثاً طارئاً، بالنظر إلى ما عُرف عنه- يحفظه الله- من مواقف تاريخية تنافح عن القضية الفلسطينية، ومواكبته وتفاعله مع تداعياتها. إنّ التاريخ سيسجل صفحات ناصعة لخادم الحرمين الشريفين ودوره الريادي ومواقفه الثابتة وحكمته في خدمة المسجد الأقصى والقضية الفلسطينية. لقد أكد كثير من المسؤولين في المملكة أنّ القضية الفلسطينية هي قضية المملكة الأولى، وهي قضية العرب المركزية، ويمكن إدراك ذلك من خلال تسمية خادم الحرمين الشريفين الدورة التاسعة والعشرين للقمة العربية التي عقدت في الظهران "قمة القدس"، وهذه التسمية تحمل في طياتها المكانة الروحية والدينية للقدس في أذهان الأمة العربية، كما قام الملك سلمان- يحفظه الله- بالتبرع بمبلغ 150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، ومبلغ 50 مليون دولار لدعم وكالة الأونروا. إنّ هذا الدعم المتواصل، والثبات على المواقف والالتزامات يدحض المزاعم التي تروّج لها أبواق الموتورين من أقاويل متهافتة عارية من الصحة، كما أنّ المزايدات والشعارات الجوفاء تتعارض تماماً مع سياسات المملكة وتصرفاتها الدولية الواضحة. فالقناعة راسخة رسوخ الجبال لدى قادة المملكة بعدالة القضية الفلسطينية، وضرورة إزالة الاحتلال المقيت، وتثبيت الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، والعالم. * كاتب ودبلوماسي سعودي سابق Your browser does not support the video tag.