في 6 مارس 2017 قرر مجلس الوزراء الموافقة على الترتيبات التنظيمية للهيئة العامة للثقافة، بعد ما عملت عليها لجنة صياغة برئاسة د. عبدالرحمن الشبيلي -كنت واحداً من أعضائها- إذ تطلع المثقفون السعوديون وقتها نحو حلم، استمر في الخيال العام أكثر من 70 عاماً إلى واقع جديد، لاحت بوادره بإنشاء هيئة مستقلة للثقافة، كنا نأمل أن تمثل كافة الأطياف والنخب في بلادنا! على أمل أن يتحقق من خلالها تفعيل العمل الثقافي الوطني والإنساني، في كل مناطق المملكة ومدنها وقراها وهجرها من خلال ما تتبناه الهيئة، من تأسيس بنية تحتية -مراكز ثقافية وأكاديمية للفنون وقاعات للمسرح والسينما ومكتبات حديثة ومتاحف للخط والفنون التشكيلية- لتوفير متطلبات جمهور الأدباء والفنانين والنخبة الثقافية من الجنسين في كل مؤسسات الوطن الحكومية والأهلية، بما يتناغم ورؤية المملكة 2030، إذ سبق أن أوصى مشاركون في ملتقيين كبيرين للمثقفين السعوديين - عقد في الرياض في شعبان 1425ه وصفر 1433ه-، باستقلال قطاع الثقافة في وزارة، وإعادة هيكلة قطاعها الهزيل، بما ينسجم مع متطلبات التنمية الثقافية ومجتمع المعرفة، وتنفيذ برنامج طموح لتعزيز الثقافة الوطنية، واقتراح الآليات المناسبة، بعدما أوصى ملتقيان ثقافيان كبيران، بصياغة الإستراتيجية الوطنية للثقافة -موجودة في أرشيف مكتب الوزير!- أحسب أنها قادرة على النهوض بالواقع الثقافي بالمملكة، إلى ما يتناسب وحق المواطن التشريعي في الثقافة، حسب ما جاء في المادة التاسعة والعشرين من النظام الأساسي للحكم، وذلك بعد توفير التمويل الحكومي اللازم للقطاعات الثقافية، هذه التي لم يتغير وضعها المرتبك، منذ تم نقل شتاتها المتبعثر إلى وزارة الإعلام سنة 2003. كان الأمل بعد تأسيس الهيئة وإقرارها، يحدونا أن تعمل على تفعيل القوى الناعمة، التي تنضوي تحت مظلة الوطن بمعطاها التراثي (الفصيح والشعبي)، وتجربتها الثقافية المعاصرة، في ظل التراكم النوعي للمخرجات الثقافية، على صعيد التعبير الأدبي والإنتاج النصوصي، ذلك أن رؤية 2030 وبرامج التحول الوطني، هي اليوم بمسيس الحاجة إلى سند ثقافي يمكن المواطن -لا المثقف والمبدع وحدهما- من التفاعل الخلاق مع جملة المتغيرات، نحو مجتمع جديد يخلف وراءه كافة صور التشدد الذهني، منفتحاً نحو آفاق عالمية، تموقع بلادنا في المكان الذي تستحقه عربياً وإسلامياً ودولياً، أحسب أن ذلك لا يتحقق سوى بصياغة سياسة ثقافية، اقترحتها على لجنة صياغة نظام الهيئة، قبل سنتين في شهر رمضان ما قبل الماضي، تكون من أولوياتها: تفعيل حقيقتنا الثقافية والفكرية والإبداعية والجمالية في الداخل، وتعديل صورتنا النمطية المقلوبة في الخارج، مع استهداف السياسة الثقافية، تعزيز الولاء الوطني، والحد من الإرهاب وتجفيف منابع التطرف، ولجم ظواهر التشدد والتعصب والإقصاء، وإشاعة ثقافة التعايش بين مكونات المجتمع، وتمكين حب المهنة، وتحسين نوعية الحياة. مع اختصاص الثقافة بوزارة مستقلة فجر أمس، أحسست بالتفاؤل، وكأننا بدأنا نضع رجلنا للمرة الأولى في الطريق الصحيح على درب التنمية الثقافية، من خلال سيرة الوزير الشاب الجديد، آملاً أن يبادر للعمل من فوره، على صياغة سياسة ثقافية للمملكة، تعمل عبر برامجها المقترحة على تنفيذ ما ذهبت إليه رؤية 2030، على صعيد التنمية الثقافية بشقي نشاطها الداخلي والخارجي، بوصف الثقافة تعد اليوم في الميزان الدولي هي القوة الناعمة، المساندة للقوة الصلبة، إذا ما تم الاستثمار في الرأسمال الرمزي الذي تمتلكه المملكة، من مقومات حضارية دينية وتراثية وآثارية هائلة، يعبر عن تنوع ثقافي مدهش. لا بد من ذلك -أيها الوزير الشاب- حتى يكون لهذه الوزارة الدور الفاعل والمؤثر، على صعيد إبراز طاقات شبابنا وشاباتنا ومهاراتهم الهائلة، في مجالات الفنون التعبيرية المختلفة، والعمل بها على تحسين نوعية الحياة، والرفع بقيمة التذوق الاجتماعي للفنون التعبيرية المختلفة، لتجاوز حال التشدد الذهني، التي طبعت عقول شبابنا طوال السنوات الماضية، والانتقال بها إلى آفاق جديدة، تتناسب وما جاء في رؤية 2030 وبرامج التحول الوطني. ومن ناحية أخرى فتفعيل الدبلوماسبة الثقافية، ينبغي أن يكون هدف الوزارة الاستراتيجي، في تعديل صورة المملكة النمطية المقلوبة عنها في مخيال الآخر.. إنها معركة وطنية لا بد من خوضها، ليتعرف من هم حولنا عرباً ومسلمين، ومن هم بعيدون عنا في جهات الدنيا الأربع، بأن في المملكة كامل عناصر القوة الناعمة، التي استثمرت فيها اليابان وكوريا الجنوبية، ومن قبلهما أوروبا خاصة المدرسة الفرنسية، فتجربتها رائدة في مجال السياسة الثقافية، عبر نشر الفرانكفونية في الدول المتكلمة باللغة الفرنسية. المملكة في نظري تمتلك من عناصر القوة الناعمة ما تتفوق به على فرنسا وغيرها، لتأخذ مكانتها التي تستحقها عالمياً.. لذلك أتطلع من سمو وزير الثقافة الجديد، أن يبادر فوراً للعمل على صياغة سياسة ثقافية، بالإفادة من تجارب الدول الرائدة عالمياً في هذا المجال.. وحتى يتحقق ذلك لا بد من عقد الملتقى الثالث للمثقفين السعوديين.. ارمِ الكرة في ملعبهم، حتى تسدد معهم الأهداف الوطنية المرجوة. Your browser does not support the video tag.